النرجيلة... تقتحم الغرب!

06 يونيو 2009 by: trtr388





وقف ألفونسو راميريز، «أبو سليم»، قرب ركن النرجيلة في
أحد المطاعم الشرق أوسطية بغليندايل (كاليفورنيا). أمسك تفاحة حمراء وتخلّص من
رأسها بواسطة سكينة حادة، ثم قلبها واقتطع من أسفلها مربعاً صغيراً. قال، وهو يقحم
إصبعه داخل المربع في التفاحة ليخرج نواتها: «هذا هو سري»، وتابع عمله واضعاً التبغ
بنكهة التفاح في الثقب، ثم غطى التفاحة بورق ألمنيوم.


فيما راح يعمل بتأنٍ على إحداث ثقوب في ورقة الألمنيوم بواسطة مسواك، ذكر راميريز: «أحب عملي لأنه ينسيني مشاكلي. ينسيني الدنيا». وبعد إشعال التبغ، وضع في طرف المبسم قطعة بلاستيكية وتنشّق الدخان مرات عدة، فتصاعد الأخير من فمه ومن مبسم النرجيلة. وسرعان ما انتشرت في الغرفة رائحة التفاح المطهي.

بعد أن أتقن راميريز (43 عاماً) صنع رؤوس التبغ من الفاكهة، ذاع اسمه بين أوساط لوس أنجليس الشرق أوسطية بصفته «رجل النرجيلة الأبرز». تُعتبر النرجيلة أو الأركيلة (الهوكة بالهندية) أداة تدخين تُحشى بتبغ منكَّهٍ استُخدمت منذ قرون في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. لذلك من المستغرب أن يُصبح راميريز خبير نرجيلة.

عامل محترف

قدِم راميريز من المكسيك إلى الولايات المتحدة عام 1999، وحصل على رخصة عمل بمساعدة رب عمله، مالك مطعم فينيسيا، آرا كالفيان. واليوم، يسعى إلى الحصول على تأشيرة EB-3 التي تُعطى للعمال المحترفين.

على طلب التأشيرة، ذكر راميريز في خانة الوظيفة: «متخصص في النرجيلة». كذلك كتب كفيله كالفيان في الرسالة المرفقة بالطلب أن «خدمات راميريز تساهم بشدّة في نجاح مطعمنا والخدمات المقدَّمة إلى زبائننا». ويؤكد راميريز أن مسؤولي الهجرة لم يسمعوا بهذه الوظيفة سابقاً.

بُعيد وصوله إلى كاليفورنيا، عمل هذا النجار وعامل المصنع السابق نادلاً في «ألكاتراز»، مطعم شرق أوسطي في لوس أنجليس. وذات يوم تغيّب الرجل المسؤول عن إعداد النرجيلة في المطعم، فطلب رب عمله منه إعداد رؤوس التبغ. أخبره راميريز أنه يجهل ذلك. عندئذ عرض عليه أحد العاملين في المطعم تعليمه.

بدايةً، شعر راميريز أنه يخوض تجربة غريبة، لكن زبائنه لقّنوه عادات شرقية مناسبة لتقديم النرجيلة، مثل إبقاء المبسم منخفضاً عند إعطائه لأحد الزبائن. وعلى طاولة يجلس إليها رجل وامرأة، تُعطى النرجيلة للرجل أولاً. يتذكر: «سألتني سيدة ذات مرة: لمَ لا تعد نرجيلة بطعم الفاكهة؟». إلا أنه لم يفهم قصدها. صحيح أن استخدام الفاكهة شائع في بعض أوساط الشرق الأوسط، إلا أنه نادر نسبياً في الولايات المتحدة، على حد تعبير جورج إيغو، صاحب متجر thehookah.com في غليندايل، الذي يبيع مختلف أنواع النرجيلة وكل ما له علاقة بها. ويقول: «يكثر استعمال الفاكهة في الشرق الأوسط. إنها عادة رائجة جداً».

دخل راميريز ذات يوم مطبخ المطعم وأخذ تفاحة. وبدأ تجاربه معداً رؤوس النرجيلة من الفاكهة عوض استخدام الرأس الخزفي التقليدي. استلزمه النجاح في صنع رأس من التفاح نحو ستة أشهر. أما اليوم، فصار يعده في دقيقة.

كذلك أتقن استخدام فواكه أخرى، مثل الأناناس والبطيخ والرمان والبرتقال. في البداية، واجه صعوبة في استعمال الشمام (البطيخ الأصفر) بسبب الثقب الكبير في وسطه. لكنه توصّل إلى حل في النهاية. كذلك يبتكر رؤوساً من الليمون، ويقف عاجزاً أمام الفراولة لأنها صغيرة جداً.

شكل الموز أكبر تحدٍّ صادفه. ابتكر راميريز أنواعاً مختلفة كرؤوس للنرجيلة من هذه الفاكهة، لكنها كانت تتفتت سريعاً. فاختار أخيراً موز من نوع Plantain ويعتقد أنه سيصيب النجاح قريباً.

صاغ راميريز لنفسه شخصية شرق أوسطية لتتناسب مع مهنته. فقد ألبسه رب عمله في «ألكاتراز» شروالاً وسترة مطرزة بالذهبي والأسود وطربوشاً أحمر. كذلك طلب منه ترك شاربيه حتى يصبحا معكوفين نحو الأعلى، امر استغرق ثلاثة أشهر. فصار يشبه الممثل الفكاهي اللبناني الذي اشتهر في ستينات القرن الماضي وحمل الاسم أبو سليم. فضلاً عن ذلك، طلب رب عمله من الموظفين مناداة «رجل النرجيلة» بـ{أبو سليم» وإلا تعرضوا لغرامة قدرها خمسة دولارات، على حد قول راميريز. واليوم، لا يعرف معظم زبائنه اسمه الحقيقي.

ترك راميريز، الذي يعمل في مجال البناء أيضاً، «ألكاتراز» بعد خلاف مع رب العمل. فانتهى به المطاف في مطعم «المندلون» بغليندايل بعد أن سأل الطاهي هناك رب عمله توظيفه. يقول كالفيان، الذي كان آنذاك أحد مالكي «المندلون»: «أخذ عمله في إعداد النرجيلة على محمل الجد وطوره بمفرده».

يذكر خاجاك كارغودوريان، زبون راميريز ومالك شركة البناء التي يعمل فيها الأخير: «نرجيلته الأفضل على الإطلاق. وهو يعدها بطريقة مذهلة حقاً، فضلاً عن أنه يتحلّى بمظهر مناسب. قبل التعرّف إليه عن كثب، لم يخطر في بالي أنه مكسيكي. ظننت أنه يتحدّر من أصول شرق أوسطية».

زبائن مخلصون

زبائن راميريز مخلصون له أشد الإخلاص. ففي إحدى الليالي توجه هايك باتاتانيان إلى ركن راميريز ليطلب نرجيلته شخصياً. وقال: أبو سليم، أين كنت؟ هل يمكنك أن تعد لي نرجيلة برتقال بنكهة الفراولة مع قليل من البرتقال في رأس من التفاحة؟ أنت تعرف كيف أحبها».

إلى طاولة مجاورة جلس طوني سركيسيان مع أصدقائه وراحوا يدخنون تبغاً بطعم التفاح في رأس من تفاح. فنادى سركيسيان، طالباً جمرة لإبقاء النرجيلة مشتعلة: «أبو سليم، نارة من فضلك». ناقش سركيسيان وأصدقاؤه ما يميز نرجيلة راميريز. ثم قال سركيسيان باللغة العربية: «يا إلهي، لا أعلم!». وأضاف بالإنكليزية: «إلا أنها طيبة المذاق».

يأمل راميريز تحويل ولاء زبائنه هذا إلى مؤسسة تؤمن النرجيلة للمنزل والحفلات. خطرت هذه الفكرة على باله حين أخبره السنة الماضية بعض الزبائن العائدين من لبنان أن النرجيلة هناك تؤمن للمنازل عند الطلب. يأمل راميريز أن يمنحه هذا العمل الجديد الاستقرار المالي ويساعده على ترسيخ اسمه في المناطق الشرق أوسطية.

تعلّم راميريز بمرور الزمن أن يحب الحضارة التي تبناها. فقد أتقن خلال السنوات الماضية عبارات عربية كثيرة يستخدمها ليسحر زبائنه. لكن حين يدخر ما يكفي من المال، على حد قوله، سيزور لبنان ليرى البلد الذي يخبره عنه زبائنه وليتعلم طرقاً مختلفة لإعداد نرجيلة الفاكهة. يذكر راميريز: «إذا أحببت ذلك البلد، أعتقد أنني لن أعود إلى هنا، بل سأعدّ الطعام المكسيكي للعرب».

م: الجريدة

أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: