تونسة مصر .. هل تتحول مصر الى النموذج الجديد من تونس
12 فبراير 2010 by: trtr388ظلت بلاد تونس الخضراء نموذجاً متفرداً من بين الدول العربية والإسلامية التي ابتليت بالاحتلال الفرنسي، إذ نستطيع أن نقول بكل حيادية وأمانة موضوعية أن تونس هي التجربة الحية الدالة علي نجاح الاحتلال الفرنسي في محو الهوية العربية والإسلامية لهذا البلد
فالاحتلال الفرنسي كان احتلالاً فظاً بغيضاً حمل أجندة تغريب قوية كان يصر علي تنفيذ بنودها بحذافيرها، لذلك لاقي مقاومة بطولية وعنيفة في كل الدول التي نزل بساحتها، في الجزائر والمغرب والسنغال وتشاد والغرب الإفريقي، إلا أنه نجح مع تونس نجاحاً فاق كل التصورات، وأصبحت تونس نموذجاً متفرداً في تطبيق القيم الغربية والعلمانية بصورة تجاوزت بها تونس الغرب نفسه بل تفوقت علي النموذج التركي المتشدد في تطبيق العلمانية .
ففي تونس تكاد تصدم من ضراوة العلمانية وأثرها علي حياة الناس، تصدم من حجم التخاصم مع الدين ومنابذته في شتى فروع الحياة، ولو استدعينا بعض الدلائل لما وسعت سطور المقالة احتوائها، ففي الوقت الذي ما زالت أوروبا تفكر وتدرس وتخطط لمنع النقاب في الدوائر الرسمية، تونس منعت الحجاب أصلاً منذ أكثر من عشرين سنة ليس فقط في الدوائر الرسمية، ولكن حتى في الطرقات ووسائل المواصلات، والمرأة المسلمة العفيفة المصرة علي حجابها، لا تغادر بيتها إلا وتعرضت لأحد جلاووزة النظام الذين يخلعون حجابها بالقوة، ويأخذ بشعرها لمخفر الشرطة حيث تحتجز يوماً أو يومين كأحد المجرمين، و هي أيضاً محرومة من كل الخدمات العامة، وفي الوقت الذي تتردد فيه أوروبا في فرض قيود علي مرتادي المساجد وتقف منظمات حقوق الإنسان بقوة أمام سن مثل هذه القوانين التي تحد من الحرية الشخصية لمواطنيها، وهاج الرأي العام الأمريكي عندما اكتشف وجود جواسيس لوكالة المخابرات الأمريكية في المساجد الأمريكية، نجد تونس تضع قيوداً عجيبة علي مرتادي المساجد، منها أن المواظب علي صلاة الجماعة لابد أن يترك بياناته وصورة من هويته للمخفر التابع له، مع متابعة دورية في أقسام الشرطة، ووضع أجهزة تصنت داخل المساجد لمتابعة تواجد المصلين، وتحديد المسجد الذي يحضر فيه المشبوه أقصد المصلي بحيث يحظر عليه التواجد في مسجد آخر .
هذه عينة بسيطة من سجل متخم وكبير وبغيض لعلمانية تونس الجائرة التي نجحت في تحويل كثير من أبناء البلد لمسوخ لا تعرف لها هوية ولا انتماء، حتى أن الزائر لتونس لا يعرف لأول وهلة بأي بلد قد نزل، غربي أم عربي، مسلم أم غير ذلك، من غلبة المظاهر المنافية للإسلام علي البلد، وأثر هذه المظاهر علي سلوكيات الناس وأخلاقياتهم، هذا علي الرغم من الدعاوي التي لا تكاد تنقطع من الجهات الرسمية أن الدولة لا تعادي الإسلام ولا تخالفه، وتستقدم شيوخاً ودعاة من هنا وهناك لتورطهم في تصريحات مؤيدة لوضع الإسلام والمسلمين بالأسلوب العربي المعروف ــ كله تمام ــ .
مصر علي خطي تونس
ظل النموذج التونسي المتفرد في تطبيق العلمانية والسير في ركاب التغريب قاصراً علي أهلها، لا تتجاوز عدواه إلي البلاد المجاورة إلا بنسب متفاوتة، حتى وقع المحظور ووجدنا عدوي التونسة تصيب أكبر بلد عربي وإسلامي ـ مصر ـ ففي الفترة الأخيرة شنت السلطات حربا مدعومة بفتاوى رسمية ضد النقاب في الجامعات والمدارس، مستهدفة بذلك هرم الفضيلة في خطوة تمهيدية لمنع الحجاب بالكلية، علي طريقة اليوم النقاب وغداً الحجاب، علي الرغم من معارضة كافة طوائف الشعب لهذا القرار الذي يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان وحريته الشخصية في اختيار ما يلبسه.
وظلت الأجواء ملتهبة في مصر بسبب النقاب وخاصة بعد تعيين أحمد زكي بدر وزيراً للتعليم في خطوة وصفها كثير من المراقبين بأنها عسكرة للتعليم المصري، والخيار الأمني في مواجهة تنامي المد الإسلامي في البلاد، وعلي الرغم من إنصاف القضاء للمنتقبات، إلا أن تيار التونسة في مصر أصر علي مواصلة الحظر وتحدي أحكام القضاء، بل بلغ تناقض العلمانية مع نفسها في هذه القضية أن أجبروا الطلبات اللاتي تحايلن علي خلع النقاب بلبس الكمامات الواقية، أجبروهن علي خلع الكمامة أيضاً في خطوة تأكيدية علي أن المستهدف في القضية الدين نفسه وليس المنتقبات فحسب .
وفي وسط الأجواء الملتهبة التي ما زالت فيه أصداء قضية النقاب تتردد بين معارض ومؤيد، إذا بتيار التونسة في مصر والذي لا يضم فقط العلمانيين من الكتاب والإعلاميين والفنانين، ولكن يضم أيضاً شيوخاً وفقهاءً وعمداء لكليات شريعة وأعضاء لمجمع البحوث، إذا به يقرر وضع كاميرات مراقبة في المساجد بدعوي محاربة التطرف ومتابعة الخطاب الديني للأئمة والوعاظ الذين أبدوا معارضة واسعة للمحظورات الخطابية التي حددها وزير الأوقاف الذي يعد من أبرز رموز التونسة في مصر، والذي يحظر علي الخطباء والوعاظ أي كلام عن قضايا الأمة المصيرية والحساسة .
هذا الإجراء التونسي المنشأ والذي لاقى معارضة واسعة بين طوائف الشعب المصري المعروف بتدينه وإقباله علي المساجد لا يمكن أن نعزله عن السياق العام والتوجيه الجديد في الحكومة المصرية التي يبدو أنها تسير علي خطي تونس، وتستلهم تجربتها المتميزة في تطبيق العلمانية، فمن المنتظر أن يكون هناك العديد من القرارات الشبيهة بقرار النقاب وكاميرات المساجد، مستوحاة من خزانة التجربة التونسية المتخمة بمثل هذه القرارات، فقد نري مثلاً حظراً لتعدد الزوجات، وتسوية في توزيع أنصبة المواريث، وتسوية لشهادة الرجل مع المرأة، قد تري أيضاً إباحة لممارسة البغاء، وتقنيناً لدور الدعارة، وكل هذه الأمور التي قد يراها البعض استحالة تطبيقها في بلد بحجم وأصالة مصر، إلا أن المتابع الجيد لوسائل الإعلام وأقلام أنصار التونسة في مصر يري أن ثمة بالونات اختبارية تطلق من حين لآخر لجس نبض الشارع والتعرف علي ردود أفعاله، خاصة في التشريعات الخاصة بوضعية المرأة المسلمة .
ولكن الذي قد لا يدركه القائمون علي مشروع التونسة في مصر أن الشعب المصري يختلف بالكلية عن شقيقه التونسي، فالشعب المصري احتفظ بهويته وقوميته عبر القرون، لم ينل الفرنسيون ولا الانجليز ولا غيرهم من أصالتهم وتمسكهم بدينهم شيئاً، فلم تنحرف ألسنتهم عن العربية، ولم يهاجر منهم الكثيرون ويتركوا بلادهم، كما أن دمائهم وقلوبهم رغم كل شيء مازالت حية تنبض وتتحرك وتعترض .
لذلك أقول لأنصار التونسة في مصر لم ولن تنجحوا أبداً في تحقيق أهدافكم وأغراضكم، فمصر أبداً لم ولن تكون مثل تونس. ...
كتبه / شريف عبد العزيز
مفكرة الاسلام