الخيانة... حتميّة بيولوجيّة؟

12 أغسطس 2009 by: trtr388


في مكان العمل، في الشارع، على الإنترنت، تتعدد الإغراءات! أين تقع نقاط الضعف ونقاط القوّة لدى الثنائي؟ في ما يلي وجهة نظر بيولوجية وعمليّة يقدّمها الأطبّاء لفهم «مقادير» الحب ونجاح العلاقة الزوجية من خلال أسئلة بسيطة، بعيداً عن عالم الرومنسية التقليدي.

الإنسان «مُبرمَج» ليحبّ شخصاً واحداً بشغف خلال ثلاث سنوات لا أكثر. ما سبب ذلك؟

نشأنا في بيئة متوحّشة حيث كانت ظروف الحياة صعبة. كان الطفل بحاجة ماسّة إلى والديه معاً لضمان استمرار حياته. لم يكن أحد الوالدين قادراً على مراقبته في كلّ لحظة، والذهاب للبحث عن الغذاء، ومحاربة السارقين، وبناء الملاجئ. نتيجةً لذلك، نشأت آليّات بيولوجية لضمان بقاء الوالدين معاً طوال الوقت اللازم لحياة الطفل. لاحظ الباحثون أنّ هذا الوقت يُفترض أن يبلغ ثلاث سنوات، أي المدّة التي توافق فترة الحب الشغوف. إنها فترة سحرية تجري الأمور خلالها بسلاسة ومن دون مشاكل. لا حاجة الى بذل جهد كبير للوقوع في الحب، بل يحصل ذلك تلقائياً. خلال هذه الفترة السعيدة، نصبح «مدمنين» على الآخر ولا نلاحظ عيوبه بعد.

في مجتمعاتنا الحديثة، ما دور الثنائي التقليدي؟

نحن مجبرون على «التعاون» مع علم الإحياء للتوصّل إلى استمرار قصّة الحب والعلاقة الزوجية طوال الحياة. لكننا لا نبذل الجهود والتنازلات نفسها للمحافظة على الشريك كما كان يحصل سابقاً حين كان الإنسان مجبراً على المحاربة للصمود في بيئة عدائية. اليوم، أصبح الترف والراحة والسعادة من العوامل الأساسية في مجتمعاتنا المعاصرة. كذلك أدى ارتفاع عدد سكّان المدن إلى تغيّر الأمور وزيادة مصادر الإغراءات. لم نتحضّر بيولوجياً لهذا الوضع!

في مجال العمل مثلاً، تتعدد المناسبات التي تجمع بين الرجال والنساء وتشكّل مصدر إغواء كبيراً. هل يطرح هذا الأمر خطراً جديّاً؟

على الأرجح نعم! لا يمكننا القول لشخصين يعملان معاً: «عليكما الحفاظ على علاقة مهنيّة، لا يجب الاهتمام بالحياة الشخصية، ويُمنع عليكما التواصل والوقوع في الحبّ». علينا الأخذ بالاعتبار وظيفة دماغنا، وتحديداً الجزء الذي نسمّيه «الدماغ الاجتماعي». انقلبت المفاهيم كلّها مع دخول المرأة إلى ميدان العمل. فيجد الإنسان نفسه مقابل أشخاص من الجنس الآخر. تطرح الإغراءات في مكان العمل خطراً حقيقياً لأنها تؤدي إلى توهّم الأمور. فيميل المرء إلى مقارنة زميلته بشريكة حياته من دون أخذ هذه المعطيات كلّها بالاعتبار ومن دون التنبّه إلى خصوصيّة مكان العمل حيث يضطرّ الشخص إلى الظهور بصورة المهذّب واللطيف.

لكن، في غالبية الحالات، تبقى العلاقة بين الرجل والمرأة بريئة في مكان العمل. ما الذي يردعنا؟

تنشأ 10% من العلاقات في مكان العمل. حين يحصل انجذاب بين الطرفين، يردع الشخص نفسه عن الاستسلام لمشاعره لأسباب عدّة: الرغبة في الحفاظ على الحياة الزوجية والبقاء وفيّاً تجاه الشريك، أو الالتزام بمبدأ فصل الحياة الشخصية عن الحياة المهنيّة.

هل الخيانة والوفاء أمران مدوّنان على المورثات الجينيّة؟

نعم. لكلٍّ منّا شخصيّة مختلفة. قد يكون البعض من النوع الذي يبحث عن المتعة، بحسب تكوينه البيولوجيّ. يكفي أن يتواجد في مكان يتيح له اختبار مغامرات عاطفية جديدة، ليقع في فخّ الخيانة. في المقابل، يميل آخرون إلى إقامة علاقة جديّة طويلة الأمد تتمثّل بالزواج. إنه قرار يتّخذونه ويبذلون ما بوسعهم لتنفيذه.

الالتزام بعلاقة جديّة لا يمنع النظر إلى الآخرين والإعجاب بهم. هل هذا نوع من الخيانة؟

طبعاً لا! إنه أمر طبيعي يدخل في إطار اللعبة الاجتماعية. وحتى لو لم نقابل أشخاصاً جذّابين في العمل، حين نعود إلى المنزل، سنشاهد حتماً المشاهير بأبهى حلّتهم على التلفاز.

يشكّل الإطراء جزءاً من حاجاتنا. هل الخيانة طريقة للتأكد من أننا ما زلنا نحافظ على جاذبيّتنا؟

طبعاً. قد يحصل ذلك في مرحلة مفصليّة من الحياة، حين تقترب المرأة مثلاً من مرحلة انقطاع الطمث. فتشكّك بنفسها وتتساءل عن هويّتها الحقيقية. في هذه الفترة، تكون المرأة ضعيفة جداً تجاه الرغبة في إثبات أنها لا تزال تحافظ على حبّ زوجها، ما يجعلها بحاجةٍ دائمة إلى سماع مجاملاته لها.

هل يمكن أن تشكّل الخيانة «اختباراً» للتأكد من أنّ الشريك هو الشخص المناسب؟

في الواقع، لا وجود للشخص «المناسب»! في مرحلة الحب العاصف، يكون الشخص مقتنعاً بأنه وجد هذا الشخص لأنه أثّر فيه بشكل قويّ. لكن، في الواقع، يمكن الشعور بالأثر نفسه مع عدد كبير من الأشخاص الجذّابين. نعيش قصصاً خيالية، لكن قد تساعدنا «بيولوجيا الحبّ» في فهم علاقاتنا بشكل أفضل. بدل القول إننا لم نجد الشريك المناسب، يجب التفكير بأننا وصلنا إلى نهاية مرحلة الشغف والتفكير بالتدابير اللازمة لمتابعة الحياة.

كيف يمكن قمع الرغبة بالخيانة؟

تخضع مرحلة الحب الأولى لهرمون الأوسيتوسين الذي يُفرَز في الدماغ في اللحظات الحميمة. تصبح مستقبِلات الأندورفين أقل حساسيّة بعد ثلاث سنوات، لكن يتابع الأوسيتوسين أداء دور هرمون الترابط. من المهمّ إذاً الشعور بالحنان والعطف مع الشريك فضلاً عن القيام بمشاريع مشتركة، ما يساهم في تعزيز الحب والتعلّق بالآخر، وبالتالي الشعور بعدم القدرة على الاستغناء عنه.

هل يرى الرجل والمرأة مفهوم الخيانة بطريقة مختلفة؟

طبعاً، وقد أُثبت ذلك. يتبع كلٌّ من الرجل والمرأة استراتيجيّة مختلفة كلّياً في الحب. تبذل المرأة جهداً كبيراً في عمليّة الإنجاب، وحين تنجب طفلها، تعرف بشكل قاطع أنها نقلت مورثاتها إليه، لكن لا يمكن أن يكون الرجل واثقاً تماماً من ذلك. بالتالي، يبحث عموماً عن امرأة تتمتع بصفة الوفاء. بالنسبة إليه، الخيانة أمر لا يُغتفر. أما المرأة، فتختلف أولويّاتها. فهي تبحث قبل كلّ شيء عن رجل مستعدّ لتقديم الكثير إليها. تريد شخصاً يعيلها ويساعدها في تكوين أسرة حقيقية. لذا، تكون الخيانة أقلّ وطأة عليها. لكن إذا كان زوجها يستلطف امرأة أخرى ويكتفي بتقديم الهدايا إليها، تعتبر الأمر رهيباً لأنه يهدر الموارد المخصصة لعائلتها من أجل شخص آخر.

هل يسهل تقبّل الخيانة اعتباراً من عمر معيّن؟

نعم، الأمر منطقي. تحصل الخيانة حين يشعر الشخص بأنه منجذب إلى أحدهم. إنها مشاعر مباغتة وانجذاب لا يمكن مقاومته يحملنا إلى مغامرة جنونية. فيضطرّ الشخص الخائن إلى الكذب واختراع الحجج، ويتطلّب ذلك طاقة ضخمة. في الواقع، مادة الفيرومون هي التي تدفعنا إلى هذه التصرّفات الجنونية. لكن يتراجع عدد مستقبِلات الفيرومون مع التقدم في السن.

كيف يمكن استعادة الحياة الزوجية بعد حدوث خيانة؟

غالباً ما يرتبط الشعور بالذنب بثقافتنا والقيم الأخلاقية التي تطبعها. لكن من الأفضل أحياناً الاحتفاظ بسرّ الخيانة على الكشف عنه وتدمير الزواج. حتى اليوم، كان الجميع مقتنعاً بضرورة الاعتراف بكلّ ما حصل، لكن لم تعد هذه النظرية أفضل الحلول. إذا أردنا الحفاظ على العلاقة الزوجية، يجب التكتم عن الأمر أحياناً، لا سيّما إذا كانت الخيانة عابرة. غالباً ما نخبر الشريك عن خيانتنا له بحثاً عن التكفير عن ذنوبنا. إنه فعل ينمّ عن أنانيّة كبيرة! على العكس من ذلك، للمحافظة على العلاقة، يجب التكتم عن الخيانة المرتكبة ونسيانها، والالتزام بالبقاء أوفياء للشريك مستقبلاً.

الأمر صعب لأنّ الخيانة تبقى مترسّخة في مخيّلتنا.

ليس بالضرورة! يعتمد ذلك على بنية الثنائي التي تظهر معالمها منذ بداية العلاقة التي تُبنى على تقاسم القيم طوال فترة الزواج. إذا فهمنا أنّ الخيانة العابرة لا تعني انتهاء العلاقة الزوجية بالنسبة إلى الآخر، نكون لا نخون فعلياً. أما إذا كان الطرف الآخر يظنّ العكس ويعتبر الأمر خيانة فعلية، فيعني ذلك أننا أسّسنا «ثنائياً خاطئاً». في الواقع، يجب أن تصبح قيمنا الفردية جزءاً من العلاقة: بالتالي يمكننا معاقبة أنفسنا بعد ارتكاب الخيانة أو الاعتراف بعيوبنا ومحاولة تحسين أنفسنا.



الجريدة

أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: