فيروس الشائعات يصيب جسد العلامات التجارية
13 أكتوبر 2009 by: trtr388
(شائعة، تسويق، حقيقة)، بين هذه الكلمات يقف المستهلك محتاراً، عاجزاً عن التفريق بين الخبر والشائعة. العلامات التجارية هي الأخرى في موقف صعب، إذ أنها تقع فريسة هذه الشائعة التي تلحق بها
تتعرّض الأعمال بين الفينة والأخرى لحرب شائعات، تشنّها عليها شركات منافسة، مستخدمةً أسلحةً غير مشروعة للنيل من منتج معيّن، وسمعتها واسمها التجاري.
مطبخ الشائعات
عوامل كثيرة تقف وراء انتشار الشائعات كغياب الشفافية، والافتقار إلى التواصل بين العلامة التجارية وجمهور المستهلكين، وتلكـّؤ الشركات في الردّ على الاتهامات التي تطالها.
جميع هذه المعطيات تقودنا إلى الاعتقاد بوجود منهجية لصناعة الشائعة، توجّه بعض العلامات التجارية صعوداً، وبعض القطاعات نزولاً.
أنطوني ريمان، المدير التنفيذي لدى وكالة “غرو قطر”، يحصر أسباب إطلاق الشائعات بالنيل من مكانة العلامة التجارية، ويقول: “غالباً ما يكون السبب في إطلاق الشائعات إلحاق الأذى بالعلامة التجارية وسمعتها في سوق ما، وهي طريقة لإبعاد العلامة عن الحضور في حياتنا اليومية، كما أن بعض الحالات قد أثبتت أن من يقف وراء مثل هذه الشائعات هي شركات منافسة”.
ينتشر فيروس الشائعات الذي يرمي إلى الارتقاء بعلامة تجارية ما على نطاق واسع في أسواق الأسهم المالية، حيث يكون التأثير جليّاً بعد ظهور المعلومة المُضادة، كنشر شائعة عن منح شركة ما لأسهم مجانية، وهو ما يُحدث ضغطاً تلقائياً على سهم هذه الشركة في الأيام التالية.
ويصنّف جيروم فادو، مدير وكالة “سينوفيت” للأبحاث في المملكة العربية السعودية، الشائعات إلى نوعين: “تستهدف الشائعات المنتجات بنشر أقاويل مضلّلة تتحدّث عن وجود مكونات خطيرة فوق النسب المصرّح بها في المنتج، وفي هذه الحالة يلجأ مروّجو الشائعة إلى إحداث تأثير عاطفي على المستهلك، واللعب بالألفاظ والكلمات على نحو الحياة والصحة والأمن. وقد تأخذ الشائعة منحىً دينياً أو سياسياً كحملات مقاطعة المنتجات وفقاً لبلد المنشأ”.
استخدام التقنية بطريقة خبيثة يساهم في نشر الشائعة، فكثيراً ما نتلقى رسائل إلكترونية أو نصية، تحذّرنا من منتج معين بزعم أنه يحتوي على مواد مخدّرة أو سامّة، ولا يكتفي مسوّقو مثل هذه الرسائل بذلك، ولكنهم يطلبون من مستلم الرسالة أن يقوم بإرسالها إلى كل من يعرفه، على نية حصوله على الأجر والثواب.
التمييز بين الشائعة والحقيقة
تطالب العلامات التجارية التي تَصلى بنار الشائعات المستهلكين باللجوء دائماً إلى القنوات الرسمية لتحرّي الحقيقة، بدلاً من تداول الأقاويل دون التأكـّد من مصداقيتها، ولكن ما هي المسؤوليات المُلقاة على عاتق هذه الشركات أو قنواتها الإعلامية، وهل هي على المستوى المطلوب من الشفافية بحيث تفصح عما يجول في أروقتها من قرارات، وكيف تفنّد ادعاءات المُضلّلين وتحاصر الشائعات على جناح السرعة؟
يعتقد مايكل هيوز، المدير التنفيذي للإستراتيجيات، لدى “براند يونيون” الشرق الأوسط، أن العنصر الأهمّ في الحكم على مصداقية الشائعة يعتمد على مصدرها، فهو الذي يرسم الخطوط العريضة لردود فعل المستهلك، مع الإشارة إلى اختلاف هذه الردود وفقاً لعوامل كثيرة مثل العمر، الخلفية الثقافية والعلمية، ومستوى الولاء للعلامة التجارية.
يضع هيوز الشفافية على رأس قائمة مواصفات العلامات التجارية القادرة على مواجهة الشائعة، ويقول: “يجب أن تتصف العلامات التجارية بالموثوقية والشفافية والانفتاح، بالإضافة إلى قبولها بأن تخضع للاستجواب إذا اقتضى الأمر. ومن المفيد أيضاً أن يكون لدى الشركات إستراتيجيات معدّة مسبقاً لإدارة الأزمات، فعند وقوع أي هجوم، تحتاج الشركة إلى معرفة التأثير الناجم بشكل فوري، والتصرّف بطريقة تحدّ من تأثيره على العلامة التجارية”.
وصفة أخرى استقتها العلامات التجارية من عالم السياسة تطبّقها بعض الشركات لإيقاف مدّ الشائعات، أي مواجهة الشائعة بإطلاق شائعة أخرى ضد المصدر، أو تجاهل الشائعة جملةً وتفصيلاً، وهو ما يقود إلى موتها بشكل طبيعي، إلا أن هذا الأسلوب يتـّسم بالخطورة، ولا تقوى على تنفيذه سوى العلامات التجارية ذات التاريخ الناصع العريق، والتي تتمتع بمستوى عالٍِ من الولاء من قبل المستهلكين.
تجاوب الشركات مع حملات تسويق الشائعات متنوعة وفقاً لطبيعة هذه الحملات، ومدى الأذى الذي ألحقته بسمعتها أو هويتها أو عائداتها المالية.
دور الإعلام
باتت الشائعات فناً تتقنه بعض العلامات التجارية، وتستغلّها لتعزيز مكانتها في الأسواق، كنشر أخبار مثلاً عن أرباح متوقـّعة لأسهم معيّنة، أو عمليات اندماج مرتقبة بين شركتين مثلاً، ولكن كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تفيد العامة في توضيح الشائعات، وهل هي قادرة على رفع وعي المستهلكين في التعامل معها؟
وفق جيروم فادو، مدير وكالة “سينوفيت” للأبحاث في المملكة العربية السعودية ، لا بدّ في بادئ الأمر من بيان رسمي صادر عن الشركة يوضّح الشائعة، على الرغم من أنها قد لا تكون كافيةً لوحدها، ولكن لا يوجد شيء أسوء من غياب المعلومات، لأن ذلك يقود إلى حالة من القلق والسلوك غير العقلاني من قبل المستهلكين.
ولا يمكن إلقاء اللوم على وسائل الإعلام وحدها فهي تستقي معلوماتها من ثلاثة مصادر، فيمكن أن يأتي الخبر أو التأكيد على الشائعة من قبل الشركة مباشرةً، وهنا يكون على درجة مضمونة من المصداقية، وقد يكون عامّاً يشمل عدة شركات أو قطاعات، لتبقى مهمة إثبات المصداقية مسؤولية القناة الإعلامية بالاستعانة بآراء محلّلين ومراقبين ومؤسّسات أبحاث، وهناك أخيراً المقال الذي يعبّر عن رأي القناة، والموازنة فيما إذا كانت المصداقية أهمّ من المبيعات.
تفاوت استجابة وسائل الإعلام للشائعات يثير أسئلةً كثيرة بضرورة وجود جهة تقيّم المعلومات الصادرة عن هذه القنوات وغيرها، ومساءلتها فيما إذا كانت المصادر هذه مرخّص لها.
التعافي من الشائعات
تهدّد الشائعات مستقبل العلامات التجارية وتكبّدها خسائر فادحة، تأتي على هيئة تراجع في المبيعات، أو زيادة في الإنفاق على الترويج ثانيةً لسمعتها، فما هي الخيارات المُتاحة أمام الشركات التي اكتوت بنيران الشائعات لاستعادة ثقة المستهلكين بجودة منتجاتها أو خدماتها، وكيف يمكنها أن تمحو الصورة القاتمة التي رسمتها أيدي هذا الفيروس القاتل؟
يقول ريمان: “يكمن الحلّ بإتباع الشائعة بحملة تسويقية تصاحب المنتج أو الخدمة التي اُستهدفت، بحيث يتمّ التركيز على المواصفات والمزايا الجيّدة التي يتميّز بها المنتج”.
وينصح كيث ويلز، مدير مجموعة لدى “تركواز براندينغ” العلامات التجارية بالحزم مع ظاهرة الشائعة، والاعتراف بها إذا كانت صحيحة، والوعد بأخذها على محمل الجد، مع تأكيد العمل على إحداث مزيد من التحسينات أو الإضافات على المنتجات أو الخدمات، التي تطالها الشكاوي.
وفي ظلّ توفـّر بيئة خصبة، وسوء استخدام للوسائل التقنية الحديثة، وتسخيرها في نقل الأخبار الكاذبة، تظلّ العلامات التجارية صامدةً في وجه إعصار الشائعات على أمل تشديد وتغليظ القوانين بملاحقة مروّجي الإشاعات، وتخطّي عقبة محدودية سرعة محاصرتها، والعمل على وأدها واجتثاثها