القذافي ... «أشرس زعيم» واجهته أجهزة الأمن البريطانية في تاريخها
07 أكتوبر 2009 by: trtr388
اورد كتاب «حماية المملكة»، الذي يعتبر أول كتاب يروي التاريخ الرسمي لجهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي لمؤلفه كريستوفر أندرو، أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، كان «الزعيم الأشرس» الذي واجهه «ام اي 5» في تاريخه.
ففي الثمانينات، كان الجهاز يملك معلومات أكيدة عن أن السفارة الليبية في لندن، التي أطلقت عليها تسمية «المكتب الشعبي الليبي»، كانت «تدير عمليات ونشاطات جمع معلومات استخبارية موجهة ضد المنشقين الليبيين».
ومن المتوقع أن يحقق الكتاب، الذي نزل إلى الأسواق، أمس، مبيعات عالية جداً بسبب المعلومات الكثيرة التي يتضمنها عن نشاط «إم آي 5» في مختلف المجالات التي تهم الأمن البريطاني، وليس بالضرورة الجوانب التي تتعلق بليبيا فقط، لكن القذافي أحتل موقعاً بارزاً في الكتاب بسبب سلسلة نشاطات تجسسية وعمليات تم تنفيذها على الأراضي البريطانية تفوق في عددها وخطورتها نشاطات أي حاكم عربي آخر أو أي دول عربية أخرى، بما في ذلك الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي لم يقصّر هو أيضاً في عمليات القتل والاغتيالات التي نفذها ضد معارضيه على الأراضي البريطانية.
وكانت الحكومة البريطانية كشفت في وقت سابق من العام الحالي، عن ملف خاص يتعلق بمحاولة اغتيال ليبية تم إفشالها عام 1978 على يد الاستخبارات البريطانية ضد سفير ليبيا لدى بريطانيا محمود المغربي، وهو أول رئيس وزراء تم تعيينه في ليبيا بعد الانقلاب العسكري الذي تزعمه القذافي ضد الملك إدريس السنوسي عام 1969.
والمغربي هو سياسي ليبي بارز ولد في فلسطين ولجأ مع عائلته إلى سورية في عام 1948، ثم انتقل للعمل في ليبيا بعد تخرجه من الجامعة وأصبح خبيراً في شؤون النفط. وعندما وقع انقلاب القذافي، كان المغربي في السجن مع مجموعة من المعارضين السياسيين للسنوسي، فتم إطلاقه وطلب القذافي منه أن يتولى رئاسة الوزراء. لم يبق المغربي في منصبه فترة طويلة فطلب إعفاءه بسبب عدم رضاه عن الطريقة التي كانت تدار بها أمور البلد. فخوفاً من أن يبدأ المغربي بنشاط معارض للقذافي تم تعيينه سفيراً في بريطانيا لإبعاده عن ليبيا، حيث شغل هذا المنصب إلى أن تم اكتشاف محاولة الاغتيال التي دبرها القذافي له، حيث قام «إم آي 5» باكتشاف الخطة قبيل تنفيذها، فألقي القبض على الليبيين الذين حضروا خصيصاً من طرابلس لتنفيذ العملية. وتنحى المغربي عن منصبه كسفير وقضى حياته لاجئاً سياسياً في لندن، حيث أقام مع زوجته وأبنائه إلى أن وافته المنية في وقت سابق من العام الحالي.
فهذه كانت فاتحة «النشاطات الإرهابية» الليبية في بريطانيا ولم تقتصر عليها، إذ تلتها في ما بعد سلسلة طويلة من الأنشطة وعمليات القتل التي أزعجت السلطات البريطانية ولطخت سمعة أجهزة الأمن، التي لم تنجح في الكشف عن المخططات الليبية قبل وقوعها، مثلما نجحت في الكشف عن محاولة اغتيال المغربي.
ففي كتاب «حماية المملكة»، يروي أندرو كيف أمر القذافي بتصفية عدد من المعارضين الليبيين جسدياً، ومنهم محمد رمضان، الذي أردي قتيلاً بالرصاص أمام مسجد ريجنت بارك في أبريل عام 1980، وتم القبض على رجلين يحملان الجنسية الليبية عقب الحادث، غير أن ذلك لم يمنع وقوع عملية اغتيال أخرى لمعارض ليبي آخر بعد أسبوعين هو المحامي محمود أبو نافع الذي قتل في مكتبه في حي كنزنغتون في لندن.
ووفقاً لأندرو، في الثمانينات أعتبرت أجهزة الأمن البريطانية، القذافي بأنه الزعيم «الأشرس» الذي واجهته في تاريخها، وقال: «الجانب الأشرس فيه تجلى بتصميمه على اصطياد منتقدي ديكتاتوريته الشخصية الذين لجأوا إلى الخارج».
من ضمن المعلومات التي كشف عنها الكتاب، أن «المكتب الشعبي الليبي» في لندن كان يملك مسحوقاً ساماً جاهزاً للاستخدام لاغتيال المعارضين. وذكر أن مواطنا ليبيا يدعى حسني سعد فرحات، كان أول قاتل ليبي استخدم المسحوق المخدر ضد معارضين ليبيين كانوا مقيمين في مدينة بورتسماوث. وقال ان جهاز الاستخبارات البريطاني كان «مدركاً لنشاطات فرحات، لكنه لم ينتبه إلى أن فرج شعبان كشودا وزوجته البريطانية هيذر كلير كان على قائمة المعارضين المهاجرين للقذافي، رغم عدم انتمائه لأي تنظيم معارض بعينه».
ونجح فرحات في التعرف على كشودا وزوجته وزارهما في منزلهما وعرض أثناء الزيارة أن يقوم هو بإعداد إبريق من القهوة في المطبخ، الأمر الذي أثار شكوك أصحاب المنزل. مع ذلك لم تنتبه العائلة إلى هدية قدّمها فرحات أثناء الزيارة وهي كيس صغير من الفستق. ليتبين لاحقاً أن أطفال العائلة الذين تناولوا الفستق أصيبوا بحالات تسمم شديدة «ألحقت أضراراً بأجهزتهم العصبية وتساقط شعرهم، وبأعجوبة تم إنقاذ حياتهم».
وتابع أندرو أن عملية قتل الشرطية البريطانية إيفون فلتشر عام 1984 برصاص قناص من داخل السفارة الليبية في لندن، تمت بأوامر من القذافي، إذ جرت اتصالات بين السفارة وليبيا استفسر فيها العاملون في السفارة عن كيفية مواجهة مظاهرة نظمها المعارضون للقذافي أمام السفارة. ففي هذه الاتصالات عرضت السفارة طريقتين لمواجهة الإضراب، الأولى بأن يخرج العاملون في السفارة ويشتبكوا بالأيدي مع المتظاهرين، أو أن يقوم العاملين بإطلاق الرصاص عليهم من داخل السفارة، فكانت النتيجة أن تمت الموافقة من فوق على الطريقة الثانية، التي أدت إلى مقتل الشرطية.
واضافة إلى هذه القائمة، أقض القذافي مضاجع المسؤولين السياسيين والأمنيين البريطانيين لسنوات طويلة بسبب الدعم المادي والعسكري الذي قدمه لتنظيم «الجيش الجمهوري الإيرلندي» الذي كان ينشط على الساحة البريطانية، بهدف انفصال إقليم إيرلندا الشمالية عن بريطانيا. وجاء في الكتاب أن تفجير طائرة «البانام» الأميركية فوق بلدة لوكربي في اسكوتلندا كان الذروة في النشاطات الإرهابية التي نفذها الليبيون فوق الأراضي البريطانية.
كما كشف الكتاب (يو بي أي)، أن «إم آي 5» عانى في تصديه لنشاطات الجواسيس السوفيات خلال مرحلة الحرب الباردة. وأكد أن جهاز الأمن الداخلي لم يتمكن من التصدي لعمليات الجواسيس السوفيات في بريطانيا حتى العام 1971 حين ابعدت لندن، 100 ديبلوماسي سوفياتي، كما اخفق لسنوات في تفكيك شبكة تجسس في مدينة كامبريدج، كانت تعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي.
وكشف أندرو أيضاً، أن سياسيين بريطانيين بارزين استخدموا الجهاز لمصالحهم الشخصية، ومن بينهم رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر، والتي اشار إلى أنها ضغطت على الجهاز الأمني لمساعدتها على انهاء الخلافات الصناعية التي واجهت حكومتها مثل اضراب عمال المناجم.
واورد الكتاب أن ثاتشر ارادت من عملاء «إم آي 5» التعرف على جميع القادة النقابيين المسؤولين عن الإضرابات العمالية، لكن الجهاز قاوم مطالبها. واضاف أن وزارة الدفاع ضغطت على الجهاز لتزويدها بمعلومات يمكن أن تستخدمها ضد الجماعات المدافعة عن السلام، مثل حملة نزع الأسلحة النووية التي كانت تراقب الوزارة نشاطاتها خلال عقد الثمانينات.