السلفية التونسية ...شيوخ من الخليج ومصر يؤثرون في الشّباب

18 أكتوبر 2009 by: trtr388




ربّما من الصّعب على النخب في تونس أن تتقبّل بسهولة أن الفكر السلفي قد يجد له مكانا بين الشباب في القرن الواحد والعشرين خصوصا وأنّ البيئة التونسية عادة ما توصف بالاعتدال و التسامح، لكنّ عدّة مؤشرات تشير بالفعل إلى أنّ الأفكار السلفية والمتطرّفة تجد قبولا لدى فئات من الشباب التونسي المتعلّم والآخذ بناصية التكنولوجيات الحديثة التي ساهمت في التعريف بهذا "الفكر الوافد".
وتثير ظاهرة السلفية في تونس جدلا بين الحكومة ومنتقديها حول سبل معالجتها وهل أنّ المقاربة الأمنية المُتّبعة حاليا كافية لحماية الشباب من خطر الانغلاق والتطرّف.
يرى عدد من المتابعين والمختصين في الجماعات الإسلامية في تونس أنّ "السلفية بما هي تعبير عن الجماعات التي تجعل من السلف مبدأ أو أرضية لها وتتقيد بتوجهاتها ومرجعياتها وشخوصها ،ويرتبط بعضها بالعمل المسلح ضد من تعتبرهم أعداء الإسلام والأمة ، هي إيديولوجية وافدة عن المحيط التونسي".
ويرى الإعلاميّ و الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية صلاح الدين الجورشي في تحليل له عن ظاهرة السلفية في تونس نشرته صحيفة الكترونية محليّة أنّه "لا جذور تاريخية ودينية للتيار السلفي في المجتمع التونسي وإن كانت هذه الخلفية الإيديولوجية والدينية قد تتقاطع مع بعض أصول الحركات الإسلامية".
ويميّز المختصون بين عدة تيارات ضمن الفكر السلفي بعضها يتبنى "الدعوة السلميّة " ،وبالتالي يتقيّد بالمراجع التي تؤكد على عدم الخروج على الحكام وإنما وجب نصيحتهم في حين يرى تيار آخر يوصف بـ"السلفي الجهاديّ" أنّ هؤلاء الحكام " قد خرجوا على الدين بإصرارهم على عدم تحكيمه في شؤون الناس والأمة وهو ما يقتضي شقّ عصا الطاعة عنهم و إسقاطهم بقوة السلاح".

يرى الباحث في علم الاجتماع جابر القفصي الذي قدّم عدة ندوات فكريّة عن السلفية وأشكال التديّن عند الشباب أنّه ومن الناحية السوسيولوجيّة يمكن اعتبار فئة الشباب ، فئة تنزع نحو التمرّد و الرفض. و يضيف:"انتشار الفكر السلفي بين الشباب التونسي في الفترة الأخيرة جاء نتيجة احباطات على المستوى العربي والإسلامي خصوصا في قضية فلسطين ونجده قد انتشر بعد سقوط نظام القطبين وهيمنة القطب الواحد ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكيّة".
ويرى القفصي أن بعض الشباب التونسيّ"يعتقد أنّ الحركات السلفية تقاوم الاستعمار والظلم ،خصوصا وأنّ التفكر السلفي هو تفكير تبسيطي ينتج وعيا سطحيّا يشير إلى اليأس وغياب ثقافة الحوار الديمقراطي ونقد الرأي الآخر".

في العام 2004 قرّر الشاب مصباح 25 سنة وهو متحدر أحدى مناطق الجنوب التونسي الالتحاق بالمُسلحين في العراق عبر سوريا. لكن السلطات التونسية اكتشفت محاولته مع ثلة من أصدقائه باكرا واعتقلتهم وسجنتهم بتهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابي،يقول مصباح :"تأثرت بالأفكار السلفية التي سجنت بسببها لأربع سنوات انطلاقا من برامج القنوات الدينية الخليجية ومواقع الانترنت الجهاديّة، المظلمة التي سلطت على العراق اثر الاحتلال الأمريكي دفعتني إلى تبني هذا الفكر الذي وجدته يتماشى ورغبتي في قتال العدوّ".
وعلى الرغم من أنّ الحكومة التونسيّة تقاوم بحزم الإرهاب والتطرّف ، إلا أنّ نشرات الأخبار غالبا ما تورد أسماء لشباب تونسيين تورّطوا في أعمال عنف خارج الحدود كاعتقال ومقتل تونسيين في مخيّم "نهر البارد" اللبناني وآخرين قتلوا في العراق وأفغانستان والشيشان وعدد من المناطق الساخنة عبر العالم.
و يمكن للمتابع أن يلاحظ نشاطات السلفيين في تونس عبر الشبكات الاجتماعية المعروفة كشبة "فايسبوك" حيث يقومون باستقطاب الشباب إلى هذا الفكر وتقاسم مقاطع فيديو لفتاوى تصدر عن شيوخ سلفيين خليجيين ومن ثمة مناقشتها مع الشباب اليافع ودعوته لتبني بعض المقولات المتطرّفة.أما خارج المجال الافتراضيّ فإن التضييق على نشاطهم من قبل أعوان الأمن لا يتيح لهم التحرّك بشكل كاف.

لا يبدو أن السلفيين في تونس يُنظمون صفوفهم ضمن "تيار سلفي" معروف له زعاماته وناطقون باسمه كذا الشأن في عدد من دول الخليج العربيّ ، لكن الثابت أنّ آليات التفكير والنقاش والعلاقات الشخصية تُجمّعهم، و إن كان لهم زعيم يسمونه "شيخ السلفيين" هو الخطيب الإدريسي الذي سجنته السلطات التونسية لمدة عاميين بسبب فتاويه لـ"بالقيام بعمليات جهادية وعدم الإرشاد عن وقوع جريمة"،وذلك اثر اشتباكات دموية في أواخر العام 2006 بين مجموعة إرهابية و القوات النظامية في ضاحية تونس الشمالية.
الجيل الجديد من الشباب السلفي لم يسمع عن الشيخ الإدريسي أصلا ، بل يتعلّق بمشائخ من مصر والخليج بعضهم توفيّ منذ سنوات وبعضم لازال حيا ويطلق الفتاوى عبر الفضائيات.

"ستزداد أعداد الشباب حملة الفكر المُتطرف ما دامت الحكومات العربية لا تملك تصورا فلسفيا وفكريا عميقا لمعالجة ظاهرة السلفية" هذا ما يخلص إليه الباحث في علم الاجتماع جابر الفصي في حديثه و يتابع:"المقاربة الأمنية في تونس نجدها تتقاسم نفس المرجعية التي يروّج لها السلفيون خصوصا و أنها تضيّق على الفكر المستنير والمعتدل
الحكومة من جهتها دقت ناقوس الخطر مع تزايد الضّغوط التي يطلقها نشطاء حقوقيون ومثقفون بعدم جدوى الحل الأمني الذي أدى إلى محاكمة وسجن قرابة الألفي شاب بحسب إحصائيات منظمة العفو الدوليّة.
وشهد كل من العام 2008 و 2009 تحركات ملحوظة لوزارة الشؤون الدينية (الأوقاف) بإصدار كتب ومطبوعات تدعو إلى "التصدي للفكر السلفي الدخيل ونشر تعليم الإسلام السمحة والمعتدلة".
إلا أنّ جابر القفصي يصف تلك الإجراءات بـ"الحلول السطحية والترقيعيّة" ، إذ لا بديل بحسب رأيه عن "الحوار مع الشباب السلفي لأنهم تونسيون في النهاية، فالحكومة لم تنقد بعد الفكر الديني من الداخل وهو ما يؤدي إلى تشجيع هذه الظاهرة ، بل نلاحظ أن من يخرج من السجن يصرّ على مواصلة تبني الفكر المتطرف".
ويضيف الباحث الاجتماعي:" وسائل الإعلام أيضا لا تقوم بواجباتها في هذا السياق لم نشاهد ولو برنامجا وحيدا عن هذه الظاهرة عبر التلفزيون الحكومي أو الخاص هنالك وصاية من الكهول على الشباب ،ونبذ للحوار معهم في حين أن الحلّ يكون بإعداد دراسة عن هذه الظاهرة للبحث عن أسباب تبني الشباب للتطرّف تمهيدا لإعادة إدماجهم في المجتمع وإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة تجنبا للكوارث "على حدّ تعبيره.



أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: