الأسباب الحقيقية وراء أزمة نيجيريا الأخيرة
16 أغسطس 2009 by: trtr388لم تكن أزمة نيجيريا الأخيرة، كما صورها الإعلام الحكومي والعالمي، مجرد اندلاع لمواجهات بين قوات الأمن النيجيرية ومتطرفين إسلاميين، بل كانت انفجار لبركان من الغضب الشعبي سبقته عدة مؤشرات في أنحاء متفرقة من البلاد.
وترى الكاتبة "جين هيرسكوفيتس"، وهي أستاذ باحث في التاريخ بجامعة "ستيت" في نيويورك، أن مشكلة نيجيريا ليست في الأصولية الإسلامية ولكنها في الفساد الذي يستشري في البلاد والحكومة التي لا تخدم إلا مصالحها الخاصة.
وتحت عنوان "المأساة الحقيقية في أحداث العنف بنيجيريا"، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية المرموقة مقالاً لـ هيرسكوفيتس جاء فيه:
إن موجة العنف الأخيرة في نيجيريا- والتي بدأ بهجمات استهدفت مراكز للشرطة في أربعة ولايات شمالية- ليست كما تبدو عليه. فمن الناحية الظاهرية، تبدو القصة وكأنها اندلاع لموجة من التطرف الإسلامي كالتي تحدث في أنحاء أخرى حول العالم: حيث فصيل إسلامي غاضب يهدد الأمن في المدينة، ويطالب بإنهاء عمل المؤسسات الغربية، ويسعى لفرض قواعد دينية صارمة.
لكن الحقيقة على النقيض من ذلك فالمواجهات الأخيرة ليست إلا نسخة شمال نيجيريا مما يحدث في منطقة أخرى من البلاد وهي دلتا النيجر (ومعظمها من المسيحيين). وكلاهما ردود فعل عنيفة على الغياب الواضح لاهتمام القائمين على الحكم برفاهية الشعب المحكوم.
وقد أسفرت عشرة أعوام من الديموقراطية المزعومة في نيجيريا عن فقر متزايد وكافة أشكال الحرمان. فالشباب، الذي لا يحظى بتعليم كافٍ نظرًا للنظام التعليمي المتداعي، ربما "يتخرج" ولكن فقط ليواجه أزمة البطالة.
وأضافت هيرسكوفيتس أن مستوى المعيشة ينخفض، ويتصاعد الإحباط، وأن الشباب الغاضب يسهل للغاية إقناعه بحمل السلاح إذا ما أثار شيء ما غضبه. في الوقت نفسه، فإن جميع من في السلطة على كافة المستويات يتجاهلون أعمال إدارة البلاد وينهمكون بدلاً عنها في جمع الثروات لأنفسهم ومن ثم يتردى القانون والنظام.
وقد تم استدعاء الشرطة النيجيرية، وهم أنفسهم لديهم شكاوى خاصة بهم من سوء تدريب، وضعف أجور، بالإضافة إلى إقامتهم في ثكنات مزرية، وقلقهم من الاستخدام العشوائي للقوة. أما الجيش، بالرغم من كونه أكثر حرفية، إلا أنه ليس مجهزًا للتعامل مع الاضطرابات.
وهذا الانفجار الأخير في الأوضاع- والذي خلف 700 قتيل، وأكثر منهم جرحى، وآلاف المشردين- له بالطبع سماته الخاصة التي اتسم بها؛ فالانتفاضات في نيجيريا الواسعة لا تتشابه مع بعضها البعض وإن كانت عادة ما يمكن التنبؤ بها. وهذه المرة كان اللاعب الرئيس فيها جماعة إسلامية في مدينة ميدوجوري بولاية بورنو يتزعمها"محمد يوسف" البالغ من العمر 39 عامًا. واسم "بوكو حرام" الذي يُطلق على الجماعة يمكن ترجمته بصورة أو بأخرى على أنه "معارضة التعليم الغربي".
وحتى زعماء المسلمين المعروفين في الشمال، ممن يشجبون تعاليم يوسف، يدركون كيف أضرت الحكومة بشباب نيجيريا. فماذا قدم التعليم الغربي لهم مؤخرًا؟ ومن نفس وجهة النظر، ماذا قدمت لهم كذلك المؤسسات النيجيرية الأخرى- التي يُنظر إليها ببساطة على أنها مدفوعة غربيًا؟ إن "بوكو حرام" كانت تطالب بشيء يؤمن أعضاؤها انه سيكون أفضل.
وكانت الهجمات التي وقعت مؤخرًا على مراكز الشرطة قد حفزتها عدة حوادث متفرقة وقعت في ولايات مختلفة. ففي ميدوجوري، قبل أسابيع قليلة من الهجوم الأول، فتحت الشرطة النيران على موكب جنازة كانت على ما يبدو لشباب عُزل من أتباع يوسف. وقد كان أهالي ميدوجوري يتوقعون ردًا انتقاميًا على ذلك، كما أن يوسف نفسه أعلن أنه في حال تم اعتقاله فإن أتباعه سوف يقاتلون ردًا على ذلك.
ومن ثم كان يجب ألا يثير اندلاع العنف دهشة أجهزة الأمن؛ وهو بالتأكيد لم يكن مفاجئًا لأهالي ميدوجوري أو أي شخص آخر في نيجيريا. فبعد مواجهات وقعت في ولاية بوتشي قبل ذلك بأسبوع، انتشر على نطاق واسع أن يوسف توعد بالثأر لمقتل العديد من أتباعه على أيدي الشرطة. بالرغم من ذلك، كان أولئك المسئولون عن الأمن غير مستعدين على نحو واضح، فالشرطة عاجزة، والجيش، الذي سبق نشره من قبل، طالب بألف جندي إضافي كتعزيزات. وقد كان نظام الاستخبارات على علم بجماعة "بوكو حرام" ومنذ عام 2007 يدعو إلى اتخذا تدابير من أجل وقف نموها؛ إلا أن الحكومة ببساطة تجاهلت النصيحة.
وعقب معركة شرسة بمعقل يوسف شديد التحصين في ميدوجوري- التي كان قد فر منها- تمكنت الشرطة من الإمساك به في منزل والد زوجته. وقد أخذته الشرطة إلى الحجز ثم أطلقت عليه النار وأردته قتيلاً. وعرض التليفزيون الحكومي مشهدًا لجثته. وكانت أول الروايات الرسمية بشان الواقعة أنه قُتل في تبادل لإطلاق النار وليس في مقر الشرطة. غير أنه بعد كشف الجيش عن مجموعة صور تُظهر أنهم قد سلموه حيًا للشرطة، قدم المسئولون رواية أخرى جديدة تفيد بأنه تم إطلاق النار عليه بينما كان يحاول الهرب.
وترى هيرسكوفيتس أنه إذا صحت أي من الروايتين فإن من غير المرجح أن يضع مقتل زعيم "بوكو حرام" نهاية لهذه الأزمة.
في الوقت نفسه، فقد ضاعفت القوة المفرطة التي استخدمها الجيش في عملياته من مأساة أهالي ميدوجوري. وكما قال أحد المقيمين المتضررين : "لقد استخدموا مطرقة ثقيلة لقتل نملة ". وهناك حاليًا تصاعد في الغضب جراء عمليات القتل العشوائي التي تطال المذنبين والأبرياء على حد سواء.
إن الأمر يسير هكذا: فأقصى شمال نيجيريا لديه تاريخ حافل بزعماء ذوي شخصيات جاذبة ممن يدعون إلى معتقدات إسلامية غير مألوفة ويحشدون أعداد كبيرة من الشباب في مواجهات مع التعاليم الإسلامية المألوفة والسلطات السياسية. وفي مطلع الثمانينات، انتشرت موجة كبرى من العنف من ولاية كانو وحتى ميدوجوري. كما كان اندلاع موجة أصغر من العنف عام 2004 بولايتي بورنو ويوبي بمثابة إرهاص للمواجهات الحالية. وقد أعقب ذلك ظهور جماعة ثورية مؤلفة من عناصر شابة أطلقوا على أنفسهم اسم "طالبان"- ولاشك أنهم سمعوا الاسم من خلال خدمات هيئة الإذاعة البريطانية أو صوت أمريكا الناطقة بلغة الهوسا- طالبوا بتطبيقٍ كامل للشريعة الإسلامية. وقد اجتاح هذا المطلب جميع ولايات أقصى الشمال؛ وهو ما يرجع جزئيًا لشعور قوي واسع الانتشار بأن المؤسسات العلمانية في نيجيريا لا توفر العدالة، وأن الشريعة من المأمول أن تقوم بعمل أفضل.
في الوقت نفسه، يشير النيجيريون إلى أنه مع تصاعد العنف، اختار رئيسهم- وهو نفسه من ولاية كاتسينا في أقصى الشمال- مغادرة البلاد في زيارة إلى البرازيل. (وقد أعقب ذلك هجومًا على مركز للشرطة في كاتسينا). وقارن كتّاب الصحف على نحو سلبي بين هذا الموقف وقرار الرئيس الصيني بترك اجتماعات قمة الدول الثمانية بإيطاليا الشهر الماضي عندما اجتاحت الاضطرابات إقليم شينجيانغ.
وفي دلتا النيجر، كما في الشمال، فإن عدم اكتراث الحكومة كان له عواقب متفاقمة. وقد تصاعدت الاحتجاجات على مر السنين ضد عمليات الاختطاف، والتفجيرات، والاشتباكات المسلحة. ولم تفعل الحكومات المتعاقبة شيئًا يذكر من أجل تطوير المنطقة وتحسين حياة الشعب. إن الاختلاف، بالطبع، هو أن نفط الدلتا- الذي يدمر أيكات المانجروف بينما يمول حكومة نيجيريا على كافة المستويات- قد أفرز كذلك شبكات إجرامية تسببت أنشطتها، سواء بتواطؤ سياسي أو حتى عسكري، في جعل المأساة ربما أكثر عسرًا. كما أن العمليات الواسعة لاستيراد الأسلحة وإدخالها إلى الدلتا جعلت كافة أنواع البنادق- وبالأخص بنادق AK-47s- متوفرة بثمن بخس في جميع أنحاء البلاد، وبصورة ملحوظة الآن في الشمال.
إن المشكلات ليست جديدة؛ فالنيجيريون وغيرهم من المهتمين بالنظر عن كثب للأوضاع قد شاهدوا الفساد السياسي وعدم الاهتمام، ونمط الحياة الفخم الذي يعيشه الأغنياء وأصحاب النفوذ الفاسدين ممن جعلوا حياة الغالبية العظمى من الشعب تزداد سوءًا عامًا بعد عام. وقبل عقد مضى، ومع عودة الديموقراطية، كان لدى النيجيريون آمالاً عريضة إلا أنهم الآن -- بعد انتخابات مزيفة على جميع المستويات في عام 2003 و2007، وعدم توقع شيئًا مختلفًا في 2011؛ ومع وجود مياه شرب غير نظيفة، وشبكة كهرباء عقيمة، وطرق غير آمنة، وارتفاع معدلات الجريمة عن أي وقت مضى، إلى جانب العديد من الشكاوى الأخرى-- لم يعد لديهم أمل يذكر.
وتختتم "جين هيرسكوفيتس" مقالها مؤكدة:إن العالم سيخطيء الفهم إذا ما نظر إلى المأساة النيجيرية من منظور فكرة التيار الإسلامي المتشدد حول العالم، وزعماء نيجيريا إذا لم يبدأوا على وجه السرعة في تلبية احتياجات بلادهم الأساسية والواضحة، فإن السؤال الوحيد سيكون: ما الذي سيشعل فتيل الموجة المقبلة من الفوضى المسلحة؟ وأين؟
وهو السؤال الذي أجابت علنه بقولها: يمكن أن يحدث ذلك في أي جزء من البلاد، وأسبابه، في وجود جذور الفساد الضاربة بالوظائف العليا، لن تكون لغزًا.
---------
([1]) جين هيرسكوفيتس: أستاذ باحث في التاريخ بجامعة "ستيت" في نيويورك، وهي تقوم بزيارات إلى نيجيريا منذ سنوات طويلة كان آخرها زيارة منذ نحو أسبوعين.
مفكرة الاسلام
وترى الكاتبة "جين هيرسكوفيتس"، وهي أستاذ باحث في التاريخ بجامعة "ستيت" في نيويورك، أن مشكلة نيجيريا ليست في الأصولية الإسلامية ولكنها في الفساد الذي يستشري في البلاد والحكومة التي لا تخدم إلا مصالحها الخاصة.
وتحت عنوان "المأساة الحقيقية في أحداث العنف بنيجيريا"، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية المرموقة مقالاً لـ هيرسكوفيتس جاء فيه:
إن موجة العنف الأخيرة في نيجيريا- والتي بدأ بهجمات استهدفت مراكز للشرطة في أربعة ولايات شمالية- ليست كما تبدو عليه. فمن الناحية الظاهرية، تبدو القصة وكأنها اندلاع لموجة من التطرف الإسلامي كالتي تحدث في أنحاء أخرى حول العالم: حيث فصيل إسلامي غاضب يهدد الأمن في المدينة، ويطالب بإنهاء عمل المؤسسات الغربية، ويسعى لفرض قواعد دينية صارمة.
لكن الحقيقة على النقيض من ذلك فالمواجهات الأخيرة ليست إلا نسخة شمال نيجيريا مما يحدث في منطقة أخرى من البلاد وهي دلتا النيجر (ومعظمها من المسيحيين). وكلاهما ردود فعل عنيفة على الغياب الواضح لاهتمام القائمين على الحكم برفاهية الشعب المحكوم.
وقد أسفرت عشرة أعوام من الديموقراطية المزعومة في نيجيريا عن فقر متزايد وكافة أشكال الحرمان. فالشباب، الذي لا يحظى بتعليم كافٍ نظرًا للنظام التعليمي المتداعي، ربما "يتخرج" ولكن فقط ليواجه أزمة البطالة.
وأضافت هيرسكوفيتس أن مستوى المعيشة ينخفض، ويتصاعد الإحباط، وأن الشباب الغاضب يسهل للغاية إقناعه بحمل السلاح إذا ما أثار شيء ما غضبه. في الوقت نفسه، فإن جميع من في السلطة على كافة المستويات يتجاهلون أعمال إدارة البلاد وينهمكون بدلاً عنها في جمع الثروات لأنفسهم ومن ثم يتردى القانون والنظام.
وقد تم استدعاء الشرطة النيجيرية، وهم أنفسهم لديهم شكاوى خاصة بهم من سوء تدريب، وضعف أجور، بالإضافة إلى إقامتهم في ثكنات مزرية، وقلقهم من الاستخدام العشوائي للقوة. أما الجيش، بالرغم من كونه أكثر حرفية، إلا أنه ليس مجهزًا للتعامل مع الاضطرابات.
وهذا الانفجار الأخير في الأوضاع- والذي خلف 700 قتيل، وأكثر منهم جرحى، وآلاف المشردين- له بالطبع سماته الخاصة التي اتسم بها؛ فالانتفاضات في نيجيريا الواسعة لا تتشابه مع بعضها البعض وإن كانت عادة ما يمكن التنبؤ بها. وهذه المرة كان اللاعب الرئيس فيها جماعة إسلامية في مدينة ميدوجوري بولاية بورنو يتزعمها"محمد يوسف" البالغ من العمر 39 عامًا. واسم "بوكو حرام" الذي يُطلق على الجماعة يمكن ترجمته بصورة أو بأخرى على أنه "معارضة التعليم الغربي".
وحتى زعماء المسلمين المعروفين في الشمال، ممن يشجبون تعاليم يوسف، يدركون كيف أضرت الحكومة بشباب نيجيريا. فماذا قدم التعليم الغربي لهم مؤخرًا؟ ومن نفس وجهة النظر، ماذا قدمت لهم كذلك المؤسسات النيجيرية الأخرى- التي يُنظر إليها ببساطة على أنها مدفوعة غربيًا؟ إن "بوكو حرام" كانت تطالب بشيء يؤمن أعضاؤها انه سيكون أفضل.
وكانت الهجمات التي وقعت مؤخرًا على مراكز الشرطة قد حفزتها عدة حوادث متفرقة وقعت في ولايات مختلفة. ففي ميدوجوري، قبل أسابيع قليلة من الهجوم الأول، فتحت الشرطة النيران على موكب جنازة كانت على ما يبدو لشباب عُزل من أتباع يوسف. وقد كان أهالي ميدوجوري يتوقعون ردًا انتقاميًا على ذلك، كما أن يوسف نفسه أعلن أنه في حال تم اعتقاله فإن أتباعه سوف يقاتلون ردًا على ذلك.
ومن ثم كان يجب ألا يثير اندلاع العنف دهشة أجهزة الأمن؛ وهو بالتأكيد لم يكن مفاجئًا لأهالي ميدوجوري أو أي شخص آخر في نيجيريا. فبعد مواجهات وقعت في ولاية بوتشي قبل ذلك بأسبوع، انتشر على نطاق واسع أن يوسف توعد بالثأر لمقتل العديد من أتباعه على أيدي الشرطة. بالرغم من ذلك، كان أولئك المسئولون عن الأمن غير مستعدين على نحو واضح، فالشرطة عاجزة، والجيش، الذي سبق نشره من قبل، طالب بألف جندي إضافي كتعزيزات. وقد كان نظام الاستخبارات على علم بجماعة "بوكو حرام" ومنذ عام 2007 يدعو إلى اتخذا تدابير من أجل وقف نموها؛ إلا أن الحكومة ببساطة تجاهلت النصيحة.
وعقب معركة شرسة بمعقل يوسف شديد التحصين في ميدوجوري- التي كان قد فر منها- تمكنت الشرطة من الإمساك به في منزل والد زوجته. وقد أخذته الشرطة إلى الحجز ثم أطلقت عليه النار وأردته قتيلاً. وعرض التليفزيون الحكومي مشهدًا لجثته. وكانت أول الروايات الرسمية بشان الواقعة أنه قُتل في تبادل لإطلاق النار وليس في مقر الشرطة. غير أنه بعد كشف الجيش عن مجموعة صور تُظهر أنهم قد سلموه حيًا للشرطة، قدم المسئولون رواية أخرى جديدة تفيد بأنه تم إطلاق النار عليه بينما كان يحاول الهرب.
وترى هيرسكوفيتس أنه إذا صحت أي من الروايتين فإن من غير المرجح أن يضع مقتل زعيم "بوكو حرام" نهاية لهذه الأزمة.
في الوقت نفسه، فقد ضاعفت القوة المفرطة التي استخدمها الجيش في عملياته من مأساة أهالي ميدوجوري. وكما قال أحد المقيمين المتضررين : "لقد استخدموا مطرقة ثقيلة لقتل نملة ". وهناك حاليًا تصاعد في الغضب جراء عمليات القتل العشوائي التي تطال المذنبين والأبرياء على حد سواء.
إن الأمر يسير هكذا: فأقصى شمال نيجيريا لديه تاريخ حافل بزعماء ذوي شخصيات جاذبة ممن يدعون إلى معتقدات إسلامية غير مألوفة ويحشدون أعداد كبيرة من الشباب في مواجهات مع التعاليم الإسلامية المألوفة والسلطات السياسية. وفي مطلع الثمانينات، انتشرت موجة كبرى من العنف من ولاية كانو وحتى ميدوجوري. كما كان اندلاع موجة أصغر من العنف عام 2004 بولايتي بورنو ويوبي بمثابة إرهاص للمواجهات الحالية. وقد أعقب ذلك ظهور جماعة ثورية مؤلفة من عناصر شابة أطلقوا على أنفسهم اسم "طالبان"- ولاشك أنهم سمعوا الاسم من خلال خدمات هيئة الإذاعة البريطانية أو صوت أمريكا الناطقة بلغة الهوسا- طالبوا بتطبيقٍ كامل للشريعة الإسلامية. وقد اجتاح هذا المطلب جميع ولايات أقصى الشمال؛ وهو ما يرجع جزئيًا لشعور قوي واسع الانتشار بأن المؤسسات العلمانية في نيجيريا لا توفر العدالة، وأن الشريعة من المأمول أن تقوم بعمل أفضل.
في الوقت نفسه، يشير النيجيريون إلى أنه مع تصاعد العنف، اختار رئيسهم- وهو نفسه من ولاية كاتسينا في أقصى الشمال- مغادرة البلاد في زيارة إلى البرازيل. (وقد أعقب ذلك هجومًا على مركز للشرطة في كاتسينا). وقارن كتّاب الصحف على نحو سلبي بين هذا الموقف وقرار الرئيس الصيني بترك اجتماعات قمة الدول الثمانية بإيطاليا الشهر الماضي عندما اجتاحت الاضطرابات إقليم شينجيانغ.
وفي دلتا النيجر، كما في الشمال، فإن عدم اكتراث الحكومة كان له عواقب متفاقمة. وقد تصاعدت الاحتجاجات على مر السنين ضد عمليات الاختطاف، والتفجيرات، والاشتباكات المسلحة. ولم تفعل الحكومات المتعاقبة شيئًا يذكر من أجل تطوير المنطقة وتحسين حياة الشعب. إن الاختلاف، بالطبع، هو أن نفط الدلتا- الذي يدمر أيكات المانجروف بينما يمول حكومة نيجيريا على كافة المستويات- قد أفرز كذلك شبكات إجرامية تسببت أنشطتها، سواء بتواطؤ سياسي أو حتى عسكري، في جعل المأساة ربما أكثر عسرًا. كما أن العمليات الواسعة لاستيراد الأسلحة وإدخالها إلى الدلتا جعلت كافة أنواع البنادق- وبالأخص بنادق AK-47s- متوفرة بثمن بخس في جميع أنحاء البلاد، وبصورة ملحوظة الآن في الشمال.
إن المشكلات ليست جديدة؛ فالنيجيريون وغيرهم من المهتمين بالنظر عن كثب للأوضاع قد شاهدوا الفساد السياسي وعدم الاهتمام، ونمط الحياة الفخم الذي يعيشه الأغنياء وأصحاب النفوذ الفاسدين ممن جعلوا حياة الغالبية العظمى من الشعب تزداد سوءًا عامًا بعد عام. وقبل عقد مضى، ومع عودة الديموقراطية، كان لدى النيجيريون آمالاً عريضة إلا أنهم الآن -- بعد انتخابات مزيفة على جميع المستويات في عام 2003 و2007، وعدم توقع شيئًا مختلفًا في 2011؛ ومع وجود مياه شرب غير نظيفة، وشبكة كهرباء عقيمة، وطرق غير آمنة، وارتفاع معدلات الجريمة عن أي وقت مضى، إلى جانب العديد من الشكاوى الأخرى-- لم يعد لديهم أمل يذكر.
وتختتم "جين هيرسكوفيتس" مقالها مؤكدة:إن العالم سيخطيء الفهم إذا ما نظر إلى المأساة النيجيرية من منظور فكرة التيار الإسلامي المتشدد حول العالم، وزعماء نيجيريا إذا لم يبدأوا على وجه السرعة في تلبية احتياجات بلادهم الأساسية والواضحة، فإن السؤال الوحيد سيكون: ما الذي سيشعل فتيل الموجة المقبلة من الفوضى المسلحة؟ وأين؟
وهو السؤال الذي أجابت علنه بقولها: يمكن أن يحدث ذلك في أي جزء من البلاد، وأسبابه، في وجود جذور الفساد الضاربة بالوظائف العليا، لن تكون لغزًا.
---------
([1]) جين هيرسكوفيتس: أستاذ باحث في التاريخ بجامعة "ستيت" في نيويورك، وهي تقوم بزيارات إلى نيجيريا منذ سنوات طويلة كان آخرها زيارة منذ نحو أسبوعين.
مفكرة الاسلام