تركى الفيصل: العلاقة الاقتصادية مع واشنطن "قدر لا مفر منه"

30 أغسطس 2009 by: trtr388


رفض الأمير تركى الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المصطلح الأمريكى "الاستقلال فى مجال الطاقة"، معتبراًً أنه مصطلح سياسى استخدم لشحن الجمهور الأمريكى سواء من قبل الرئيس الأمريكى باراك أوباما أو ممن سبقوه.وطرح الفيصل فى مقال له بمجلة " فورين بوليسى" أمس مصطلح "التبادل فى مجال الطاقة"، معتبراًً أن أى خطط مستقبلية فى هذا المجال بالولايات المتحدة ستشمل خليطاًً من الطاقة غير المتجددة والطاقة المتجددة، مؤكداًً فى الوقت ذاته على أن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة أو المنتج والمستهلك هى قدر للدولتين ولا هروب منه، مسترشداًً فى ذلك بمواقف المملكة كمنتج طالما سعى لحفظ الاستقرار فى سوق النفط، والحفاظ على سقف للأسعار لا يضر الاقتصاد ولا يهز السوق، وهو فى النهاية يسعى إلى جمع كل أطراف معادلة النفط فى علاقة قانونها الأساسى هو التعاون، لأن البديل هو الكارثة.وقال الأمير تركى الفيصل إن مصطلح " الاستقلال فى مجال الطاقة" أصبح شائعاًً فى المشهد السياسى الأمريكى، فقد استخدمه كل من مرشحى الرئاسة الأمريكية، وحتى اليوم يضع البيت الأبيض على موقعه الإلكترونى مبدأ "كبح اعتمادنا على طاقة وقود الحفريات ( النفط والغاز والفحم ) وجعل أمريكا مستقلة فى مجال الطاقة، لكن مصطلح "الاستقلال فى مجال الطاقة" شعار سياسى فى أسوأ أوضاعه، ويقدم مفهوماًً غير واقعى ومضلل ويضر بإنتاج الطاقة واستهلاكها على حد سواء، ويستخدم كرسالة مفادها أن اعتماد الولايات المتحدة على السعودية فى مجال الطاقة أمر خطير، السعودية التى يلقى عليها اللوم فى كل شىء من الإرهاب الدولى إلى ارتفاع أسعار البنزين".وعن موقف الدولتين اليوم قال الأمير تركى: تملك السعودية 25 % من احتياطيات النفط، وهى حتى الآن أكبر مصدر له، ولديها أكبر طاقة إنتاجية، وفى المقابل بدأ إنتاج الولايات المتحدة من النفط يهبط منذ عام 1970، بينما ترتفع حاجاتها للنفط بشكل حاد على مدار الوقت، فالولايات المتحدة أكبر مستهلك للطاقة الآن، ولا توجد تقنية ظهرت حتى الآن تستطيع أن تحل بالكامل محل النفط فى الولايات المتحدة، حيث التصنيع الضخم، ووسائل النقل والاحتياجات العسكرية، فأى خطط مستقبلية فى مجال الطاقة بالولايات المتحدة ستشمل خليطاًً من الطاقة غير المتجددة ( كالنفط ) والطاقة المتجددة، فإذا وضعنا كل هذا فى الاعتبار نجد أن الجهود التى تبذل من أجل استقلال الطاقة يجب أن تتحول إلى الاعتراف بما يسمى " التبادل فى مجال الطاقة".وبالنسبة إلى العلاقة بينهما قال إن قدرى الولايات المتحدة والسعودية مرتبطان، وسيبقى كذلك لعقود قادمة، وإدراك مثل هذه الحقيقة لا يجب أن يبعث الرعب فى قلوب الأمريكيين. وشرح الأمير تركى دور المملكة فى الحفاظ على سوق النفط قائلاً: للسعودية سجل طويل من الإجراءات التى قامت بها، والتى تثبت تعهدها بثبات إمدادات النفط فى العالم، فقد كانت السعودية تدفع بإصرار باتجاه أسعار منخفضة للنفط أكثر من أى عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك" كما قامت المملكة بزيادة إمدادات النفط بصورة ضخمة عقب الثورة الإيرانية وأثناء حرب الخليج الأولى لتعويض خروج العراق من سوق الإنتاج، وعقب هجمات 11 سبتمبر لتهدئة التوتر فى السوق العالمى للنفط. فى الحقيقة لقد كانت السياسة النفطية للمملكة ثابتة على مدى الثلاثين عاماًً الماضية، وهى العمل على ثبات إمدادات الطاقة بالعالم".وتابع "عقب الارتفاع الهائل والمستمر فى أسعار النفط فى الأعوام القليلة الماضية، نفذت المملكة استثمارات فى مجال النفط تقى العالم من أى هبوط مفاجئ فى إمدادات الطاقة، استثمرت المملكة حوالى 100 مليار دولار للوصول بطاقة المملكة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يومياًً، واليوم لدى المملكة حوالى 4.5 ملايين برميل يومياًً احتياطى فائض إنتاج، ( يقدر بأكثر من 90 % من الاحتياطى العالمى )، وهذا الاحتياطى اليومى من الإنتاج يجعل المملكة قادرة على تعويض العالم بالنفط، فور توقف ثانى وثالث أكبر منتجى أوبك عن الإنتاج.وحول سعر النفط قال الفيصل "وصلت الأسعار إلى نحو 70 دولاراًً، ولكى نضع الأمور فى نصابها لا يجب أن ننسى ارتفاع سعر النفط عام 1973، وعام 2008 حين تعدى سعر برميل النفط مئة دولار، بدون شك لقد أعطت أسعار النفط المرتفعة أرضية جديدة لأولئك المنادين باستقلال الولايات المتحدة فى مجال الطاقة، لكن هنا علينا أن نفهم حقيقة ما يجرى، لقد دهشت المملكة كما دهشت الولايات المتحدة وبقية دول العالم بعد الارتفاع الهائل لأسعار النفط فى السنوات الأخيرة، وقد ألقى الكثيرون باللوم على الصين والأسواق الناشئة بسبب الطلب المتزايد على النفط". وعن أسباب ارتفاع الأسعار يقول الفيصل: هناك العديد من الأسباب وراء ارتفاع سعر النفط العام الماضى، لكن المملكة ليست أحد هذه الأسباب، فالحقيقة المحزنة أن أربع دول منتجة للنفط لم تحقق توقعات الإنتاج، ففى عام 1998 كانت كل من إيران والعراق ونيجيريا وفينزويلا تنتج حوالى 12.7 مليون برميل يومياًً. وتوقعت الشركات الكبرى أن يصل إنتاج هذه الدول إلى 18.4 مليون برميل يومياًً عام 2008، لكن وبسبب الصراعات الأهلية وفشل الاستثمارات أو بسبب الغزو الأمريكى كما فى حالة العراق، أصبحت هذه الدول تنتج 10.2 ملايين برميل يومياًً، مما دفع بالأسعار للارتفاع، كما ساهمت توقعات المضاربين فى الأسواق فى ارتفاع سعر النفط.وأضاف:هناك عامل آخر ساهم فى ارتفاع سعر النفط، وهو نقص قدرة العالم على التكرير، ففى الولايات المتحدة على سبيل المثال لم يتم بناء معمل تكرير واحد على مدى 30 عاماًً، ويضاف إلى ذلك مشكلة " بوتيكات النفط" وتتمثل فى درجات البنزين المختلفة المطلوبة فى مناطق مختلفة، وقد صادفت أحد هذه الأمور غير العادية أثناء زيارتى لشيكاغو منذ ثلاث سنوات فهناك معمل تكرير يبعد عن شيكاغو حوالى 50 ميلاًً، لكنه لا يمد مدينة شيكاغو بالبنزين، والسبب أن البنزين الذى ينتجه المعمل لا يطابق معايير البنزين المستخدم فى شيكاغو، وبدلاًً من ذلك يكون على المدينة أن تستورد البنزين من الساحل الشرقى، مما يرفع سعر البنزين الذى سيكون بالطبع أرخص فى حال وصوله من المعمل القريب.وتناول ما قامت به المملكة فى ظل ارتفاع الأسعار فقال على عكس الشركات الكبرى التى لم تضخ الاستثمارات بشكل سريع فى مقابل النقص فى الإمدادات، أدركت المملكة أن مثل هذه الاستثمارات جوهرية فى السعى لتفادى النتائج الكارثية لهزات سوق النفط.


أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: