يهود البصرة أقدم الطوائف اليهودية في العالم

20 مايو 2009 by: trtr388



فيما تحفل مواقع الانترنت بعشرات المقالات عن مطالبة
اليهود العراقيين الحكومة العراقية بدفع تعويضات تقدر بالمليارات من الدولارات،
يستعيد الباحثون في البصرة حياة سكانها اليهود قبل قرابة قرن من الزمن، وتحولات
المدينة من حاضرة تضم الجميع وتقبل ساكنيها على أساس المحبة والحاجة والتسامح، إلى
مدينة لا تستطيع الدولة فيها استرداد مقبرة من قبضة متجاوز. وتتعدد الحكايات عن
هجرة اليهود في العراق.


لكن هناك حكاية عراقية تقول إنه قبل أن يترك بيته نهائيا، مغادرا إلى دولة إسرائيل عام 1952، خط بنيامين إسحق اليهودي العراقي ذو الستين عاما، الذي كان يسكن محلة الباشا بالبصرة القديمة (4 كلم من مركز المدينة)، على جدار بيته وهو يغادره بيتا من الشعر الشعبي قال فيه: عاوني على الروح نجرها يا المار ما ترضى عنها تروح محرجة بالدار وواضح أن إسحق كان يتوسل الى الناس المارين قرب داره أن يعينوه على إخراج جسده وروحه التي لا يتسع الباب لخروجها، وهي إشارة إلى صعوبة تركه البلاد التي ولد وترعرع فيها، بل كان يفضل أن يدفن فيها ميتا على الخروج منها حيا. 12 ألف يهودي في البصرة وإذا كان المؤرخ البغدادي صبغة الله الحيدري قد أحصى عدد اليهود في البصرة نهاية القرن التاسع عشر بأكثر من 12 ألفا، فإن إحسان السامرائي (باحث ومؤرخ بصري) يقول للقبس: هناك العشرات من الشخصيات اليهودية البصرية التي تركت بصماتها على دنيا المال والاقتصاد والفكر والثقافة والمجتمع بشكل عام في البصرة، بل وما زالت الشواهد حية في سجلات الدولة العراقية وأرشيفها الرسمي، فهم عراقيون على أي حال بحسب تعبيره. وكانت الفترة بين النصف الأخير من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر في البصرة تمثل الزمن الذهبي للانتعاش المالي والاقتصادي للطبقة الارستقراطية، إذ يقول البروفيسور حميد احمد الحمداني، أستاذ مادة التأريخ في جامعة البصرة: إن طائفة اليهود العراقيين هم من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، وهم من الذين استقدمهم الملك نبوخذنصر في العهد البابلي، ولنفوذهم القوي في البصرة في فترة العشرينات أشرك البعض منهم، مثل يوسف يعقوب صوينخ، في قائمة الشخصيات البصرية التي طالبت بانفصال البصرة عن العراق في العشرينات، وكذلك شارك البعض في الهدية المقدمة من أكابر الشخصيات البصرية للملك فيصل الثاني، كما ساهم كبار التجار اليهود ببناء مستشفى الملك فيصل (الجمهوري فيما بعد)، وكذلك مستشفى السجن المركزي وتضم المقبرة (مقبرة اليهود) رفات المئات من الشخصيات. الشناشيل بصرية يهودية.. ورئيس الاستئنافوتكاد حركة البناء وبيوت الشناشيل المعروفة اليوم بالبيوت التراثية في محلات القبلة القديمة والباشا ونظران والسيمر والفرسي والمجصة وجامع أبو منارتين والمحال المحيطة بالبصرة القديمة والعشار.. وغيرها، التي لا تزال ماثلة حتى اليوم، أن تكون من أعمال البيوتات والأسر اليهودية البصرية، وحتى مبنى منتدى المسرح، بيت الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة الذي تجاوزت عليه احد الكيانات السياسية عقب سقوط بغداد في 2003، كان ملكا ليوسف كارح، وقد عرفت المسناة التي تقابله بدكة بيت يوسف كارح، وظل بشناشيله وبنائه المتين المطل على حركة الماء في المد والجزر، ودكته المشهورة، كاستراحة للشباب سنوات وسنوات، قبل أن يهدم عام 1999 ليتحوّل إلى خرابة ومزبلة. وحتى وقت قريب (1920) يقول السامرائي: كانت جدران محكمة الاستئناف الكائنة في محلة السيمر على نهر العشار في البصرة القديمة تصطك على صوت رئيس المحكمة نعيم زلخة وهو ينادي على المتهمين، أو روبين بطاط نائب رئيس محكمة البداءة ساعة المناداة على المحاميين إبراهيم شاؤول ومنشي إسحق (كانا ضمن أول دفعة محامين تخرجت عام 1911) وسواهم من المحامين البصريين اليهود. ولعلنا لا نجد اليوم في أروقة محكمة الاستئناف ما يشير الى ذلك. أدباء وكتّاب وأطباء يهود ويضيف: لكن الذين أنعم عليهم الله بطول العمر يتذكرون أيضا نخبة من الأدباء والكتاب والأطباء والصيادلة والموسيقيين، بينهم الأديب داود سيزائي، عزرا يامين، نسيم روبين، صالح حسقيل، الصيدلي سليم عاشير، جو وعيسى عيسائي، سالم عابد، آغا بابا موشي حي، يعقوب نواح، إبراهيم حسقيل، عزرا نواح، صيون روبين، موشي طويق، بيت اطرفجي، الياهو إبراهيم جداع، بيت لاوي، شفيق عدس، بيت خرموش، صالح رحميم، بيت زبيدة.. وغيرهم .ويعتبر بيت موشي طويق القريب من خزان الماء في شارع بشار بن برد آخر بيوت الشناشيل التي بنيت سنة 1941، ولا يزال ماثلا كمبنى يضم مكاتب وعيادات للأطباء والمحامين. وقبل تأسيس الدولة العراقية عام 1921 كان التجار اليهود في شارع الكنائس بالعشار (الصيادلة اليوم) المتفرع من سوق الهنود سادة دنيا المال والتجارة والأملاك وتداول النقود.. وحين يعدد الباحث السامرائي أسماءهم لا يتوقف عند إبراهيم حسقيل، وإبراهيم كرجي، والياهو روفائيل، والياهو يوسف، وخضوري الياهو شماش، ودانيال حسقيل، وساسون رحمين، وسليم نسيم، وصيون روبين، وصيون يونا، ومراد عبودي، ومير سبتي، وناجي شاؤول، ونسيم عزرا نسيم.... وحين سألته عن المقبرة الكائنة في منطقة السعدونية بالمشراق على بعد 5 كلم من مركز المدينة اليوم قال: هنا كان يدفن اليهود موتاهم لكنها اليوم أصبحت جزءا من المدينة، فقد بنى الناس (الحواسم) بيوتهم على القبور، وبذلك امحت قبور كبار الشخصيات التي شكلت جانبا مهما من تاريخ المدينة. نزح السكان فأزاحوا قبور اليهودوكانت القبس قد اتصلت بأحمد الياسري رئيس لجنة رفع التجاوزات في المحافظة وسألته عن حال مقبرة اليهود المتجاوز عليها من قبل عشرات الأسر التي دخلت البصرة بعد حرب تحرير العراق في ربيع 2003، فقال: عانيت شخصيا الأمرين في قضية المقبرة هذه، ووجهت إلي التهم والتهديدات وكتبوا ضدي في مواقع الإنترنت حين حاولت إعادتها الى واقع حالها كمقبرة تاريخية، لكن المشكلة أكبر من ذلك - يقول الياسري- إذ هدم المتجاوزون القبور ونبشوها، وتطايرت عظام الموتى، وخلال السنوات القادمة لن يكون بمقدور أحد التعرف على معلم المكان. ولا تتعلق القضية بمقبرة اليهود هذه فحسب، فمقبرة الصابئة في منطقة خمسة ميل أيضا تعرضت للتجاوز، وكذلك مقبرة المسيحيين في المطيحة، ولولا السياج الحديدي الذي يحيط بمقبرة الانكليز في الحكيمية ورعايتها من قبل وزارة الخارجية لأصبح حالها كغيرها من المقابر. هجّروه من البصرة فاختار لندن على إسرائيل وينقل الباحث السامرائي عن أحدهم فيقول: تحدث الدكتور هارون شماش (اليهودي البصري المقيم في لندن) عن طفولته في البصرة، وعن محلة الس.يف، وعن أخوته وأشقائه ساسون وحسقيل وغيرهم، وزوجات أبيه الثلاث وأصدقائه، حيث يذكر أن أحد أشقائه تعرض مرة لاعتداء من قبل ابن باقر الاوتجي الذي يبدو أنه أصاب إحدى عينيه إصابة مباشرة، إلا أن أباه رفض أن يشتكي للشرطة، قائلا لرجال المحلة الذين خفوا للتعاطف معه بأن مثل ذلك يقع بين الأخوان ولا ضرورة للشكوى..!! ويضيف شماش: رفض أبي الذهاب إلى إسرائيل، كما رفضت الأسرة ذلك فاستقر بنا المقام في لندن، وكان أبي يردد دائما: نحن يهود عراقيون و«بصاروه».. ولا علاقة لنا بإسرائيل. ويؤكد أن أباه ظل حتى موته يتذكر موطنه وأصدقاءه، ويحلم بالجلوس على إحدى مصطبات مقهى هاتف (الشناشيل) اليوم في محلة الس.يف، كما كان في السابق، ويتحسس بيده ليونة الحصران التي على مصطبات المقهى، ويشم رائحة التراب والغبار المتصاعد من الأرض حين يرشّ السَّقاء دروبها بالماء المنقول من نهر العشار، أو يشرب الماء من «الح.ب» بالطاسة ويتذوق ماء المد المندفع من شط العرب. ويعقب: لما نزل حتى اليوم نتحدث باللهجة العراقية البصرية. جسر وبيت يامين اليهودي ومن الجسور المقامة على نهر العشار والمعروفة حتى اليوم جسر يامين، جسر الصبخة الكبيرة اليوم، ويتذكر سكان محلة السيف فندق عراق بالاس الذي لآل خرموش، حيث ما زال المسرح وصالة الرقص أيضا كما هما منذ ما يقرب من القرن، وبيت يامين ما زال ماثلا للعيان بأقواسه وأواوينه دون تغيير رغم تقادم الزمن. ولسنوات قريبة ظلت البساتين المحاذية لجسر حسن داده الخشبي في محلة المجيبرة والقريبة من مقبرة الفقراء تعتبر فردوسا للسكان الذين تضيق بهم المدينة، لكثرة الأنهار والنخيل وأشجار البمبر والمانغو والدفلى والتوت وأشجار العنب والتفاح، فكانت منتجعا للعوائل الميسورة، واليهودية خاصة، وللباحثين عن جمال الطبيعة، إلا أن المكان أهمل بعد هجرة اليهود عام 1948 فقطعت أشجاره وانطمر النهر وتهدم الجسر الصغير. فرقة حزبية وسوق للمواشي بين الماضي المندثر والحاضر المتعثر تقف المدينة (البصرة) على جسر قلق لا يلبث العابرون عليه طويلا، فالدولة العراقية الجديدة لا تأبه لماضيها كثيرا، وذلك لانشغالها بحاضرها المضطرب، لكننا حين سألنا بعض السكان المتجاوزين على مقبرة اليهود في السعدونية قال احدهم: لسنا أول من تجاوز عليها، فقد سبقنا بعثيو النظام السابق حين بنوا فرقة حزبية باسم «المهلب بن أبي صفرة»، وعلى يدهم تحولت المقبرة إلى ساحة وسوق لبيع المواشي والخيول والأبقار، فقد وطأت أقدام الحيوانات على القبور قبل رؤوس المتجاوزين.


أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: