الآلاف من المسيحيين يحجون إلى فاطمة المسلمة في البرتغال ..أسم أخترق القوميات ووحد الأديان

11 سبتمبر 2009 by: trtr388

في فندق عتيق كان في ما مضى من الزمن قصرا بديعا وسط العاصمة البرتغالية لشبونة،أهتز قلبي وأنا أقرأ إسم فاطمة على مطوية الرحلات السياحية، لكن كيف تجاوز هذا الإسم الحدود الإقليمة واخترق الحجب و تخطى الموانع ووصل إلى بلد يدين بغير الإسلام، تذكرت قصصا جميلة كانت ترويها لنا جدتي عن الحربين العالميتين اللتين عاشتهما، لمّا حل الجنود الألمان على أرض قريتنا الذين كانوا غاية الأدب، كانوا يقصدون البيوت و يقفوا على مسافة وينادون أي إمراة تقابلهم بفاطمة أريد wasser "ماء" أوaya "بيض" إذن جميع النساء فاطمة
ولأن الإسم يتمتع بقدسية كبيرة تخيلت المنائر والقباب الإسلامية منتصبة في البرتغال، وفاطمة الزهراء تبعث شعاعها النوراني متجاوزة حدود الزمان والمكان ساكنة روح الروح.
كانت الشمس جالسة بعظمة وجلال على الطرف الشرقي لسماء البرتغال، وأنا متحفزة في حافلة صغيرة للتعرف إلى فاطمة خاصة بعد أن اكتشفت من خلال مجلة "بقية الله" الإيرانية في عددها 52 الصادر سنة 1996 أن فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ظهرت لبعض أهالي البرتغال يوم 13 مايو عام 1917 .
كنت و صديقا زاده الله حبا للمجازفة والمغامرة المسلمين الوحيدين في تلك الرحلة الإستكشافية، بمعية مرافق طاعن في السن قليل الكلام كثير الابتسام قصير القامة دقيق المعلومة...
فاطيما كما ينطقها ويكتبها البرتغاليون، مدينة مقدسة غارقة في النور والطهارة والسمو الروحي. يأتونها من كل فج عميق في أوروبا برا وبحرا وجوا وزاحفين على ركبهم، لطلب الشفاعة والشفاء و التوبة و تزكية الروح والصفاء النفسي، نذر وشموع ، أماسي للدعاء و مجالس للذكر، تمتمات و همهمات وتسابيح، تجول بين المحلات وشراء ذكريات المكان المقدس والتبرك بتماثيل العذراء والمسيح والشموع والمسابيح، وما من زائر عاد من ذلك المكان المبارك وهو خالي الوفاض.
إلى جانب البيوت والمرافق العامة التي لا يقصدها إلا سكان مدينة فاطيما هناك كنيسة مهيبة بالحجر المبلط الأبيض وسط ساحة كبيرة مملوءة بالمتعبدين لله بكل حرارة وخشوع، في الواجهة وقبل بلوغ الكنيسة هناك محرقة للشموع التي ينذرها الزوار والحجاج طلبا للشفاعة وغفران الذنوب والشفاء.
بجانب الكنيسة الأيسر هناك جناح خاص للزوّار المرضى طالبي الشفاء ، الذين يقضون الليل هناك أما تمثال المسيح فينتصب وسط الساحة مقابل الكنيسة والزوار يتزاحمون لشرب وأخذ الماء للتبرك.
لكن هل تطرح فاطمة الصراع بين الأديان وكل الأطراف تتجاذبها، أم أن فاطمة تصلح أن تكون راية سلام، ببعدين إسلامي و مسيحي ليعتبرها الناس رغبة الى التسامح ونشر السلام والتكامل لأن كل الأديان منزلة من رب واحد.
السؤال، من أين جاءت تسمية المدينة بفاطيما ولمن يحج هؤلاء الناس؟ مرافقي المؤرخ المتقاعد والناطق بأكثر من لغة يؤكد أن مرور الفاتحين المسلمين من هذه المنطقة وراء قصة تسمية المدينة البرتغالية.
فاطمة شابة مسلمة مرّت مع الفاتحين توقف قلبها فوق أرض البرتغال حين وقعت في غرام أحد نبلاء المملكة، وهام هو بحبها، ولم يكن من حل للزواج أمام رجل يمثل سلطة سياسية ودينية في ذلك الوقت، إلا إرتداد فاطمة عن ديانتها والزواج من نبيلها العاشق المحب، الذي صانها وكرمها بتسمية المكان الذي كانا يعيشان فيه "بفاطيما"، وكانت فاطمة تنشر المحبة والتوبة بين الناس وتدعوهم للإصلاح والسلام والصلاة والتسبيح ثم التسبيح. إلى هنا تقف الرواية التي يتداولها البرتغاليون عن فاطيما.
* السيدة العذراء تكمل رسالة فاطمة...
بعد حادثة مدهشة وعجيبة، تحولت قرية فاطيما إلى مكان مقدس ومزارا للحب والإخلاص القلبي وطالبي الراحة النفسية. ويذهب الظن إلى أن فاطمة المسلمة التي ضحت بديانتها لأجل حبها الصادق كانت وراء ظهور العذراء القديسة في ست مناسبات في مدينة فاطيما في البرتغال. وقد لّد ظهورالعذراء قصّة مثيرة وحادثة مدهشة وإعجاز لم يصدقه الأهالي ممّا دفع الكثيرين للتحقق من الرواية.
تعود الحادثة، إلى يوم 13 مايو من سنة 1917 حين كانت لوسيا دوسانتوس، المولودة في 22 مارس 1907 والبالغة حينها 11 سنة ترعى الغنم في مرج كوفا دا آريا (Cova da Iria) خارج فاطيما برفقة أولاد عمتها، فرانسيسكو مارتو الذي كان يبلغ من العمر تسع سنوات، مواليد 11 يونيو 1908 وشقيقته الصغرى جاسنتا مارتو، والتي كانت تبلغ من العمر سبع سنوات، مواليد 11 مارس 1910 .
حين دق جرس الكنيسة المجاورة، ذهب الأطفال الثلاثة للصلاة، بعد إنتهاء الصلاة أبرقت السماء، فقرروا العودة إلى المنزل خوفا من حدوث عاصفة شديدة. في طريق العودة تجدد برق أقوى خطف أبصارهم فوقفوا خائفين مرتعدين، فجأة ظهرت لهم سحابة شفافة من نور فوق شجرة سنديان صغيرة، ثم بانت لهم العذراء مريم في صورة فتاة فائقة الجمال كما وصفتها لوسيا، لا يزيد سنها عن ثماني عشرة سنة، ترتدى رداء أبيض رائع وتحيط برأسها هالة من نور الشمس وعلى وجهها تبدو سحابة من الألم الدفين، لكن الأطفال إرتعبوا منها، فطمأنتهم وطلبت منهم أن يحضروا إلى نفس المكان ستة أشهر متتالية وفي اليوم الثالث عشر من كل شهر وفي نفس الساعة، وطلبت منهم أن يصلوا كل يوم المسبحة من أجل سلام العالم وانتهاء الحروب ووعدتهم بالمعجزات في الظهورات القادمة.
فعلا، توالت ظهورات العذراء في نفس المكان والزمان وفي كل مناسبة كانت تحقق المعجزات أمام أعين الاطفال وأمام الحضور، ففي اللقاء السادس و الأخير يوم 13 أكتوبر 1917 حضر سبعون ألف شخص لمشاهدة السيدة التي حققـت معجزة أمام أنظارهم حيث توقّف سقوط المطر فجأة، وارتجفت الشمس ثم بدأت تدور وتتلوى داخل دائرة السحاب المتقلص ثم توقّف لتدور، ثم تتوقّف مجددا، حتى أن الجموع الغفيرة خامرها شعوربأن الشمس ستقع فوق رؤوسهم في أي لحظة ، إلا أن الشمس رجعت مرّة أخرى إلى موضعها الأصلي ببريقها فسجد الجميع خشوعا وهو الامر الذي نفلته صحيفتيDailyNews الأخباراليومية، و القرن OSecule .
في الظهور الثالث قالت العذراء للوسيا، أنها ستأخذ جاسنتا وفرانسيسكو إلى السماء، ولكن لوسيا ستبقى في العالم فترة أطول. لأن يسوع يريد أن يستخدمها ووعدتها بأنها لن تتركها وأنها ستكون ملاذها دائما.
تحققت نبوءة العذراء فقد توفى فرانشيسكو يوم 4 أبريل سنة 1919، ثم توفيت شقيقته جاسنتا في20 فبراير سنة 1920 ودفن الإثنان في فاطيما. فتحول رحيلهما المبكر إلى رسوخ الإيمان بالواقعة و الظهور، و إثباتا لأقوال الأطفال الذين أكدت عوائلهم أنهم لم يتصفوا بالكذب.
تخليدا للمكان وإحيائه بالزمان، ذكرت لوسيا أن العذراء أبلغتها في آخر لقاء وهي تصعد إلى السماء باتجاه الشمس التي أذبلتها لتعيد إضاءتها بالنورالخارج من كفيها ، أنه يجب بناء كنيسة للعذراء في مكان الظهور تكريما لها وأن يصلى المؤمنون المسبحة باستمرار.
سنة 1938 بدأ الاهالي بوضع أولى لبنات البازيليك، وفي عام 1940 منح أسقف إيبيريا الأكبر رخصته لإنشاء المزار تحت القيادة الخاصة للمهندس الهولاندي Van Krichen وفي سنة 1953 سمحت الكنيسة بإقامة عبادة خاصة وطقوس معينة لهذا المعبد أو البازيليك وأصبح مكانا تحج إليه الأفواج من البرتغال ومن أنحاء العالم.
من يومها أصبح إسمه مزارعذراء فاطيما، يوم 13 مايو هو يوم الحج الأكبر، وطوال شهر مايو ترتفع الصلوات في البيوت والكنائس والرعايا والأديار وتتلى السبحة الوردية المؤلفة من ثلاثة أسرار، التي أضاف إليها البابا فويتيلا سرا رابعا وهو سر النور، وتصعد الابتهالات إلى الرب القدير كي يمنح العالم والبشر سلامه الحقيقي.
هذا وقد تم نقل رفات الطفلين الطوباويين فرانشيسكو وجاسنتا إلى بازيليك عذراء فاطيما، أما لوسيا التي نذرت نفسها لخدمة الكنيسة فقد توفيت يوم الأحد 14/2/2005 في دير راهبات الكرمل للقديسة تريزا في مدينة كويمبرا بالبرتغال، عن عمر يناهز سبعة وتسعين عاما.
وفي كاتدرائية كويمبرا الجديدة أقيمت لها صلاة الجنازة بحضور رئيس الوزراء البرتغالي بيدرو لوبيز، ثم نقل جثمانها ليدفن في الدير الذي أمضت فيه معظم أيام حياتها، وبعد سنة نقلت لوسيا، حسب وصيتها، إلى معبد فاطيما مع بقايا رفيقيها في الظهورات الطوباويين فرانسيسكو وجاسنتا.
فاطمة التي سكنت المكان بإسمها وكتبت قصتها، شغلت بلاد البرتغال بالاحداث المتواترة من بعدها، والمكان شاخصا على سكنها الأبدي فيه، إلى أن جاءت العذراء وجعلته مكانا مسكونا متحركا بالناس الأحياء الباحثين عن تفاصيل حكاية كتبها الزمان في المكان .
لذلك نجد العرب يمجدون في أشعارهم الأطلال التي كانت بيوتا وصارت أثرا بعد عين، لكن الفاتحين الذين نسوا ذات يوم إسما لم يدركوا أن ذلك الإسم سيفتح تاريخ ونزاعا ...

أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: