الاحتفال بميلاد المسيح.. طقس مسيحي يمارسه "مسلمو" لبنان

26 ديسمبر 2009 by: trtr388



تتلألأ الزينة على أشجار الميلاد وتضيء الشوارع والساحات وشرفات المنازل، وتعم المظاهر الاحتفالية مدن وقرى لبنان، فيما ينتظر الناس في زحمة السير الخانقة لساعات على مداخل المدن وضمن شوارع بيروت وهم في طريقهم لشراء الهدايا وتحضير الولائم تمهيدا للاحتفال بميلاد المسيح واستقبال عام جديد يحملونه آمالا كثيرة.


ويبدو العيد وكأنه فسحة للروح ونسيان الواقع السياسي والاقتصادي ومساحة يهرب إليها الكثيرون ليخصوا ذواتهم ببعض التكريم والترفيه الذي يختلف بين فئة اجتماعية وأخرى فيغادر المرء عالمه الى آخر مأمول ومفترض على التغيير في قادمات الأيام يحدث.


وعلى الرغم من كون عيد الميلاد أهم مناسبة دينية في المسيحية إلا أن تقاليد الاحتفال به تخطت المسيحيين اللبنانيين وتحول من طقوس دينية إلى عادات اجتماعية يمارسها المسلمون أيضا.


وقالت أستاذة القانون في الجامعة اللبنانية غادة صبرا "كان العديد من العائلات الشيعية يشاركون المسيحيين بهجة عيد الميلاد وعاداته وطقوسه قبل الثورة الإيرانية، وأذكر كيف كنا نرفع شجرة الميلاد في بيتنا وكيف كانت صديقتي المسيحية تجلب لنا حلويات العيد".


وتظهر عادات وتقاليد العيد لبنانيا في تزيين الأشجار وجلب شجيرات صغيرة اصطناعية أو طبيعية إلى المكاتب والبيوت، حتى لا يكاد يخلو مكتب في بيروت من شجرة مضاءة، كما يتم إرسال بطاقات المعايدة والهدايا إلى الأقارب والأصدقاء، وتوزيع الهدايا من قبل "بابا نويل" الذي يطوف المناطق والقرى المسيحية بزيه التقليدي الغربي تسبقه أجراس الفرح إلى قلوب الأطفال بشكل خاص.


وتابعت صبرا "لا يزال عدد كبير من المسلمين يمارسون العادات الميلادية حتى اليوم، إلا أن الثورة الإسلامية في إيران التي أتت لتشدد على العادات الدينية المسلمة قللت نوعا ما من مشاركة المسلمين بالطقوس الميلادية".


ويأتي هذا التحول في العادات الميلادية من عادات دينية إلى عادات اجتماعية بحكم تنوع الانتماءات الدينية في غالبية القرى والبلدات والمدن اللبنانية وبحكم التبادل الاجتماعي والتفاعل الناتج عن التواصل.


وأضافت صبرا "تأتي مشاركة المسلمين.. من باب مراعاة رغبات الأطفال الذين يبتهجون بالأضواء المنتشرة في كل مكان أكثر منها مشاركة بدافع الإيمان".


وتتلألأ شجرة الميلاد بالأنوار، وتتزين بالكرات البلورية من كل الألوان وبخاصة الأحمر والذهبي والفضي، فتشكل إحدى المظاهر المبهجة التي تغمر احتفالات عيد الميلاد، أما الضيافة الخاصة بهذا العيد فتضم الشوكولا والملبس وحلويات العيد.


وقال الفنان داني شمعون "الميلاد ليس عيدا خاصا بالمسيحيين في لبنان بل نجد إخوة لنا ينتمون إلى الدين الإسلامي نتبادل وإياهم الأفراح والأحزان والمشاركة بالأعياد أيضا".


وتنتشر المعارض الخاصة بالميلاد ابتداء من النصف الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) وتتضمن الهدايا الميلادية، والسلال المتنوعة المحتويات، والصناعات الحرفية والفخاريات والمنتجات الطبيعية.


وأضاف شمعون "في هذا العيد ينبغي أن يولد المسيح في قلب كل إنسان، بمعنى أن يعمد إلى تجديد عهده أمام الله بالالتزام بالقيم الدينية، لكي يستمر بالعطاء فيجسد بالممارسة القيم الميلادية التي هي قيم الخير والتسامح والعطاء والفرح".


وتزين بهذه المناسبة معظم ساحات وشوارع المدن والقرى في لبنان احتفاء بالميلاد، كما تزرع معظم ساحات وشوراع المدن الرئيسة بالورود الحمراء.


وتابع شمعون "لا أحيي الميلاد كفنان بل كإنسان؛ عندما أساعد المحتاجين وأحاول توزيع الفرح على من جار عليهم الدهر بمرض أو فقر أوعجز فأسمعهم عددا من الأغاني بصوتي الذي وهبني إياه الله".


وتختلف تقاليد وعادات الاحتفالات بأعياد الميلاد من منطقة إلى أخرى حسب تنوع الثقافات والحضارات، وبالنسبة إلى لبنان معظم العادات التي يمارسها اللبنانيون بهذه المناسبة هي عادات أوروبية وصلت بحكم تبادل الثقافات الذي نال منه لبنان نصيبا وافرا.


وقالت الراهبة أنطوانيت أندراوس مديرة ثانوية القلبين الأقدسين في بلدة بيت شباب بجبل لبنان "يجسد الميلاد قيمة العطاء المجاني عندما نزل الله من السماء وتجسد في مغارة بيت لحم وقدم للإنسان رسالة حب".


وأضافت أندراوس "يجسد الميلاد قيمة الفرح والسلام والبهجة، فيه تتلألأ الأضواء وتنتشر الزينة في كل مكان وترتدي الأمكنة ثوبا بهيا يرمز إلى تجدد الإنسان في هذا الوقت وتمسكه بالقيم الروحية السامية، ويرمز (بابا نويل) إلى العطاء والسخاء، هو الذي يبهج القلوب عندما يقدم الهدايا".


وتوزع الهدايا في هذه المناسبة على الجميع وبشكل خاص الأطفال وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمحتاجين، حتى بات عيد الميلاد يسمى عيد "بابا نويل" الذي يقوم بتوزيع الهدايا.


وتابعت أندراوس "يحمل الميلاد أيضا معنى التضامن وتجدد العلاقات الأسرية والاجتماعية، ويرمز اللون الأحمر إلى المحبة، والأخضر إلى التجدد والرجاء، والأبيض إلى النقاء والسلام والذهبي إلى النور، والفضي إلى التألق".


ويحتفل المسيحيون في لبنان بذكرى مولد المسيح، فيذهبون إلى الكنائس ويقيمون الصلوات الخاصة.


ويستبق المسيحيون يوم العيد بإقامة الولائم في البيوت حيث لا يخرج أغلبهم ليلة العيد من بيوتهم ويتركون السهر خارج المنزل إلى ليلة رأس السنة، وبعد الصلاة يبارك بعضهم لبعض، ويقيمون مآدب عائلية تختلف في غناها بين فئة اجتماعية وأخرى فتتعدد الأصناف بالنسبة للأغنياء وتقل لدى الفقراء ولكن الجميع يجتهدون لتحضير أفضل ما لديهم.


ويتبادل الناس صبيحة العيد الزيارات للتهنئة فتكون مناسبة لتجديد العلاقات الاجتماعية وتثبيتها وأحيانا غسل القلوب.


هكذا يبدو الميلاد في لبنان موعدا يجدد فيه الإنسان تشبثه بالقيم الدينية والاجتماعية، ويحقق التواصل الأسري ويجدد الروابط الاجتماعية بين مكونات الوطن.




العربية

أرسل إلى خبرية
...تحت تصنيف: