حل قضية "الكفّار" في الإسلام
14 ديسمبر 2009 by: trtr388رغم العدد الكبير من الأعمال العلمية المتخصصة والتقارير الإخبارية المضادة، ما زال لدى العديد من الناس فكرة خاطئة لسوء الحظ، بأنه لا يمكن للمسلمين التسامح أو التعايش أو التعاون مع أتباع الديانات الأخرى. ويعود الأمر بذلك جزئياً لأن المسلمين المتطرفين أنفسهم يسيئون أحياناً استخدام الآيات القرآنية لتبرير أعمال العنف ضد غير المسلمين.
ببساطة، هذه التفسيرات خاطئة، فواقع الأمر هو أن العديد من الآيات القرآنية تنادي بالصداقة والعدالة في المعاملة والتعاون مع غير المسلمين، ولكن يجري تجاهلها من قبل هؤلاء الذين يرغبون بخلق الفتنة وصبّ الزيت على النار.
ومن الأمثلة على الآيات القرآنية التي يساء استخدامها: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" (28:3) و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (51:5).
يجب أن يُنظر إلى هذه الآيات على أنها تُقدّم الدعم الضروري لبقاء وتماسك مجتمع مبكّر معرّض من المسلمين، والنبي محمد (ص) وأتباعه الذين وصلوا لاجئين إلى المدينة، وسط بيئة تحمل العداء في طياتها.
وبكلمات أخرى، كان القرآن الكريم ينصح مجتمعاً معيناً من المسلمين في بلاد العرب في القرن السابع، بالحيطة والحذر من الدخول بشكل أعمى في تحالفات سياسية، وقد جرى في الحقيقة خيانتهم وقتها من قبل بعض حلفائهم من اليهود. في الواقع، نزلت هذه الآيات بشكل خاص لأن بعض المسلمين سعوا، لأسباب تعود عليهم بفوائد شخصية، لإنشاء تحالفات مع غير المسلمين على حساب شركائهم في الدين والدولة حديثة العهد. لذا أرشدت هذه الآيات هؤلاء المسلمين الجدد أن يعتمدوا على ذاتهم وليس على حماية الآخرين حتى يتسنى لهم إرساء قواعد مجتمع جديد قوي باقٍ.
ومثلها مثل الآيات المذكورة أعلاه: أسيء الاستشهاد بآيات غيرها، الأمر الذي أدى ببساطة إلى تضليل القارئ الذي لا يملك المعرفة. ومن هذه الآيات: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ" (191:2) والتي يتم الاستشهاد بها بكثرة من قبل العديد من المسلمين وغير المسلمين المتطرفين لإبراز حقد الإسلام المفترض لغير المسلمين.
إلا أن هذه الآية كذلك تؤخذ خارج مضمونها لأن الآيات التي تسبقها وتليها تؤكد أن المسلمين يجب ألا يكونوا معتدين أبداً ويجب فقط أن يعملوا على حماية أنفسهم من الاضطهاد. بهذا يصبح المضمون واضحاً: نزلت هذه الآية الكريمة في وضع معين يتعلق بالعرب عَبَدة الأوثان الذين أخلّوا بالسلام بشكل مستمر وتجاهلوا الهدنات المعقودة في ذلك الوقت المحدد. بمعنى آخر، لا ينطبق هذا الإرشاد إلا على ذلك الحدث المحدد.
ويشير الفقيه المصري المسلم يوسف القرضاوي إلى أن هذه الآيات ليست غير مشروطة، ولا يمكن تطبيقها بالتأكيد على كل يهودي أو مسيحي أو غير مسلم. وهي، عند إخراجها من مضمونها المحدد المتعلق بحدث ما في تاريخ الإسلام المبكّر، تتعارض مع تعليمات أخرى في القرآن الكريم تنادي بالتسامح والتعاطف مع هؤلاء الذين لا يريدون سوءاً بالإسلام والمسلمين.
يتوجب على كلّ من المسلمين وغير المسلمين أن يتعلموا التمييز بين الآيات القرآنية المختصّة بمضمون معين وتلك الآيات العامة الشاملة، وذلك من خلال قراءة تلك الآيات التي تضع أُطراً للآيات الخلافية.
ومن الأهمية بمكان كذلك أن نتذكر بأن هناك رسالة تدعو لاحترام حرية الأديان موجودة بشكل واسع في القرآن الكريم: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (256:2)، و"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" وغيرها.
إلا أن هناك آيتان قرآنيتان تمثلان العلاقة المثالية بين المسلمين وغير المسلمين بشكل خاص (60: 8-9). تستخدم هاتان الآيتان اللتان تنصحان المسلمين بمعاملة أتباع الأديان الأخرى بشكل عادل، تعبيراً مصدره أصل كلمة "البرّ"، التي تشير إلى نوع معمّق من العطف والعدالة. وينصح القرآن الكريم بأن يكون "البرّ" أساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وهو نفس الإرشاد الذي يقدمه للتعامل مع الوالدين.
عندما يقوم المتطرفون العنفيّون اليوم بالاستشهاد بهاتين الآيتين خارج مضمونهما لتبرير العنف والإرهاب، يصبح من الحاسم والأساسي النظر إلى القرآن الكريم عن كثب. يحتاج جميع المسلمين إلى الدمج بين تلاوة القرآن الكريم وفهم شروطه ومعانيه. وبما أن غالبية المسلمين لا يتكلمون العربية وهي لغة القرآن الكريم، فمن الضروري أن يرجعوا إلى مصادر موثوقة في التفسير والترجمة وألا يتبعوا قراءات غير مسندة ومضللة لهذا النص. سوف يمهّد ذلك بالتأكيد الطريق نحو إزالة سوء الفهم وإساءة استخدام القرآن الكريم لأهداف عنفية، وترويج الرؤية العالمية للقرآن الكريم: التسامح الحقيقي والتعايش السلمي بين كافة بني البشر.
* الدكتور ماهر أبو منشار محاضر زائر كبير في دائرة التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة ملايا في ماليزيا ومؤلف كتاب "القدس الإسلامية ومسيحيوها: تاريخ من التسامح والتوترات" (I. B. Taurus) 2007. هذا المقال جزء من سلسلة حول الأسطورة القائلة بأن الإسلام عنفي بطبيعته، وقد كُتِب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
الخبر
ببساطة، هذه التفسيرات خاطئة، فواقع الأمر هو أن العديد من الآيات القرآنية تنادي بالصداقة والعدالة في المعاملة والتعاون مع غير المسلمين، ولكن يجري تجاهلها من قبل هؤلاء الذين يرغبون بخلق الفتنة وصبّ الزيت على النار.
ومن الأمثلة على الآيات القرآنية التي يساء استخدامها: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" (28:3) و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (51:5).
يجب أن يُنظر إلى هذه الآيات على أنها تُقدّم الدعم الضروري لبقاء وتماسك مجتمع مبكّر معرّض من المسلمين، والنبي محمد (ص) وأتباعه الذين وصلوا لاجئين إلى المدينة، وسط بيئة تحمل العداء في طياتها.
وبكلمات أخرى، كان القرآن الكريم ينصح مجتمعاً معيناً من المسلمين في بلاد العرب في القرن السابع، بالحيطة والحذر من الدخول بشكل أعمى في تحالفات سياسية، وقد جرى في الحقيقة خيانتهم وقتها من قبل بعض حلفائهم من اليهود. في الواقع، نزلت هذه الآيات بشكل خاص لأن بعض المسلمين سعوا، لأسباب تعود عليهم بفوائد شخصية، لإنشاء تحالفات مع غير المسلمين على حساب شركائهم في الدين والدولة حديثة العهد. لذا أرشدت هذه الآيات هؤلاء المسلمين الجدد أن يعتمدوا على ذاتهم وليس على حماية الآخرين حتى يتسنى لهم إرساء قواعد مجتمع جديد قوي باقٍ.
ومثلها مثل الآيات المذكورة أعلاه: أسيء الاستشهاد بآيات غيرها، الأمر الذي أدى ببساطة إلى تضليل القارئ الذي لا يملك المعرفة. ومن هذه الآيات: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ" (191:2) والتي يتم الاستشهاد بها بكثرة من قبل العديد من المسلمين وغير المسلمين المتطرفين لإبراز حقد الإسلام المفترض لغير المسلمين.
إلا أن هذه الآية كذلك تؤخذ خارج مضمونها لأن الآيات التي تسبقها وتليها تؤكد أن المسلمين يجب ألا يكونوا معتدين أبداً ويجب فقط أن يعملوا على حماية أنفسهم من الاضطهاد. بهذا يصبح المضمون واضحاً: نزلت هذه الآية الكريمة في وضع معين يتعلق بالعرب عَبَدة الأوثان الذين أخلّوا بالسلام بشكل مستمر وتجاهلوا الهدنات المعقودة في ذلك الوقت المحدد. بمعنى آخر، لا ينطبق هذا الإرشاد إلا على ذلك الحدث المحدد.
ويشير الفقيه المصري المسلم يوسف القرضاوي إلى أن هذه الآيات ليست غير مشروطة، ولا يمكن تطبيقها بالتأكيد على كل يهودي أو مسيحي أو غير مسلم. وهي، عند إخراجها من مضمونها المحدد المتعلق بحدث ما في تاريخ الإسلام المبكّر، تتعارض مع تعليمات أخرى في القرآن الكريم تنادي بالتسامح والتعاطف مع هؤلاء الذين لا يريدون سوءاً بالإسلام والمسلمين.
يتوجب على كلّ من المسلمين وغير المسلمين أن يتعلموا التمييز بين الآيات القرآنية المختصّة بمضمون معين وتلك الآيات العامة الشاملة، وذلك من خلال قراءة تلك الآيات التي تضع أُطراً للآيات الخلافية.
ومن الأهمية بمكان كذلك أن نتذكر بأن هناك رسالة تدعو لاحترام حرية الأديان موجودة بشكل واسع في القرآن الكريم: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (256:2)، و"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" وغيرها.
إلا أن هناك آيتان قرآنيتان تمثلان العلاقة المثالية بين المسلمين وغير المسلمين بشكل خاص (60: 8-9). تستخدم هاتان الآيتان اللتان تنصحان المسلمين بمعاملة أتباع الأديان الأخرى بشكل عادل، تعبيراً مصدره أصل كلمة "البرّ"، التي تشير إلى نوع معمّق من العطف والعدالة. وينصح القرآن الكريم بأن يكون "البرّ" أساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وهو نفس الإرشاد الذي يقدمه للتعامل مع الوالدين.
عندما يقوم المتطرفون العنفيّون اليوم بالاستشهاد بهاتين الآيتين خارج مضمونهما لتبرير العنف والإرهاب، يصبح من الحاسم والأساسي النظر إلى القرآن الكريم عن كثب. يحتاج جميع المسلمين إلى الدمج بين تلاوة القرآن الكريم وفهم شروطه ومعانيه. وبما أن غالبية المسلمين لا يتكلمون العربية وهي لغة القرآن الكريم، فمن الضروري أن يرجعوا إلى مصادر موثوقة في التفسير والترجمة وألا يتبعوا قراءات غير مسندة ومضللة لهذا النص. سوف يمهّد ذلك بالتأكيد الطريق نحو إزالة سوء الفهم وإساءة استخدام القرآن الكريم لأهداف عنفية، وترويج الرؤية العالمية للقرآن الكريم: التسامح الحقيقي والتعايش السلمي بين كافة بني البشر.
* الدكتور ماهر أبو منشار محاضر زائر كبير في دائرة التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة ملايا في ماليزيا ومؤلف كتاب "القدس الإسلامية ومسيحيوها: تاريخ من التسامح والتوترات" (I. B. Taurus) 2007. هذا المقال جزء من سلسلة حول الأسطورة القائلة بأن الإسلام عنفي بطبيعته، وقد كُتِب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 4 كانون الأول/ديسمبر2009
www.commongroundnews.org
تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.
Source : http://www.commongroundnews.org/article.php?id=268...
الخبر